بذلك الفعل شاهدا على صدقه ، فان العلوم النظرية الدقيقة لها قواعد معلومة عند أهلها ، وتلك القواعد لابد من أن توصل الى نتاجها ، وان احتاجت الى دقة في التطبيق. وعلى هذا القياس تخرج غرائب علم الطب المنوطة بطبايع الأشياء ، وان كانت خفية على عامة الناس ، بل وان كانت خفية على الأطباء أنفسهم.
٢ ـ لا بد للنبي من اقامة المعجز
تكليف عامة البشر واجب على الله سبحانه ، وهذا الحكم قطعي قد ثبت بالبراهين الصحيحة ، والأدلة العقلية الواضحة ، فانهم محتاجون الى التكليف في طريق تكاملهم ، وحصولهم على السعادة الكبرى ، والتجارة الرابحة. فاذا لم يكلفهم الله سبحانه ، فاما ان يكون ذلك لعدم علمه بحاجتهم الى التكليف ، وهذا جهل يتنزه عنه الحق تعالى ، واما لان الله أراد حجتهم عن الوصول الى كمالاتهم ، وهذا بخل يستحيل على الجواد المطلق ، واما لأنه أراد تكليفهم فلم يمكنه ذلك ، وهو عجز يمتنع على القادر المطلق ، واذن فلا بد من تكليف البشر ، ومن الضروري أن التكليف يحتاج الى مبلغ من نوع البشر يوقفهم على خفي التكليف وجليه : (لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ) (١).
ومن الضروري أيضا أن السفارة الالهية من المناصب العظيمة التي يكثر لها المدعون ، ويرغب في الحصول عليها الراغبون ، ونتيجة هذا أن يشتبه الصادق بالكاذب ، ويختلط المضل بالهادي. واذن فلا بد لمدعي السفارة أن يقيم شاهدا واضحا يدل على صدقة في الدعوى ، وأمانته في التبليغ ، ولا يكون هذا الشاهد من الافعال العادية التي يمكن غيره أن يأتي بنظيرها ، فينحصر الطريق بما يخرق النوامس الطبيعية.
__________________
(١) سورة الانفال آية ٤٢.