فقد دلت هذه الآية الكريمة على أن كل ما ينبت في الارض له وزن خاص ، وقد ثبت أخيرا أن كل نوع من أنواع النبات مركب من أجزاء خاصة على وزن مخصوص ، بحيث لو زيد في بعض أجزائه أو نقص لكان ذلك مركبا آخر. وان نسبة بعض من الدقة بحيث لا يمكن ضبطها تحقيقا بأدق الموازين المعروفة للبشر.
ومن الاسرار الغريبة ـ التي أشار اليها الوحي الالهي ـ حاجة انتاج قسم من الاشجار والنبات الى لقاح الرياح. فقال سبحانه : (وَأَرْسَلْنَا الرِّياحَ لَواقِحَ) (٢).
فان المفسرين الاقدمين وان حملوا اللقاح في الآية الكريمة على معنى الحمل ، باعتبار أنه أحد معانيه ، وفسروا الآية المباركة بحمل الرياح للسحاب ، أو المطر الذي يحمله السحاب ، ولكن التنبيه على هذا المعنى ليس فيه كبير اهتمام ، ولا سيما بعد ملاحظة أن الرياح لا تحمل السحاب وانما تدفعه من مكان الى مكان آخر.
والنظرة الصحيحة في معنى الآية ـ بعد ملاحظة ما اكتشفه علماء النبات ـ تفيدنا سرا دقيقا لم تدركه أفكار السابقين ، وهو الاشارة الى حاجة انتاج الشجر والنبات الى اللقاح. وان اللقاح قد يكون بسبب الرياح وهذا كما في المشمش والصنوبر والرمان والبرتقال والقطن ، ونباتات الحبوب وغيرها فاذا نضجت حبوب الطلع انفتحت الاكياس ، وانتثرت خارجها محمولة على أجنحة الرياح فتسقط على مياسم الازهار الاخرى عفوا.
وقد أشار سبحانه وتعالى الى أن سنة الزواج لا تختص بالحيوان ، بل تعم النبات بجميع أقسامه بقوله : (وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ جَعَلَ فِيها زَوْجَيْنِ
__________________
(٢) سورة الحجر آية ٢٢.