قائلا : «نحن ننتصر اليوم من محمد وأصحابه» فأباده الله وجمعه ، وأنار الحق ورفع مناره ، وأعلى كلمته ، فانهزم الكافرون ، وظفر المسلمون عليهم حينما لم يكن يتوهم أحد بأن ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا ـ ليس لهم عدة ، ولا يصحبون غير فرس أو فرسين وسبعين بعيرا يتعاقبون عليها ـ يظفرون بجمع كبير تام العدة وافر العدد ، وكيف يستفحل أمر اولئك. النفر القليل على هذا العدد الكثير ، حتى تذهب شوكته كرماد اشتدت به الريح ، لو لا أمر الله واحكام النبوة وصدق النيات؟!
و ـ القرآن وأسرار الخليقة
أخبر القرآن الكريم في غير واحدة من آياته عما يتعلق بسنن الكون ونواميس الطبيعة ، والافلاك ، وغيرها مما لا سبيل الى العلم به في بدء الاسلام الّا من ناحية الوحي الالهي. وبعض هذه القوانين وان علم بها اليونانيون في تلك العصور أو غيرهم ممن لهم سابق معرفة بالعلوم ، الّا أن الجزيرة العربية كانت بعيدة عن العلم بذلك. وان فريقا مما أخبر به القرآن لم يتضح الّا بعد توفر العلوم ، وكثرة الاكتشافات. وهذه الانباء في القرآن كثيرة.
وقد أخذ القرآن بالحزم في اخباره عن هذه الامور ، فصرح ببعضها حيث يحسن التصريح. وأشار الى بعضها حيث تحمد الاشارة ، لان بعض هذه الاشياء مما يستعصي على عقول أهل ذلك العصر ، فكان من الرشد أن يشير البها اشارة تتضح لأهل العصور المقبلة حين يتقدم العلم ، وتكثر الاكتشافات.
ومن هذه الأسرار التي كشف عنها الوحي السماوي ، وتنبه عليها المتأخرون ما في قوله تعالى : (وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ) (١)
__________________
(١) سورة الحجر آية ١٩.