ومنها قوله تعالى : (فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ. إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ. الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) (١)
فان هذه الآية الكريمة نزلت بمكة في بدء الدعوة الاسلامية ، وقد أخرج البزار والطبراني في سبب نزولها عن أنس بن مالك : انها نزلت عند مرور النبي صلىاللهعليهوآله على اناس بمكة ، فجعلوا يغمزون في قفاه ، ويقولون : «هذا الذي يزعم أنه نبي ومعه جبرائيل». فأخبرت الآية عن ظهور دعوة النبي صلىاللهعليهوآله ونصرة الله له ، وخذلان للمشركين الذين ناوأوه واستهزأوا بنبوته ، واستخفوا بأمره. وكان هذا الاخبار في زمان لم يخطر فيه على بال أحد من الناس انحطاط شوكة قريش ، وانكسار سلطانهم ، وظهور النبي صلىاللهعليهوآله عليهم.
ونظير هذه الآية قوله تعالى : (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) (٢).
ومن هذه الانباء قوله تعالى : (غُلِبَتِ الرُّومُ. فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ) (٣).
وقد وقع ما أخبرت به الآية بأقل من عشر سنين ، فغلب ملك الروم ، ودخل جيشه مملكة الفرس.
ومنها قوله تعالى : (أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ. سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ) (٤).
فأخبر عن انهزام جمع الكفار وتفرقهم وقمع شوكتهم ، وقد وقع هذا في يوم بدر أيضا حين ضرب أبو جهل فرسه وتقدم نحو الصف الاول
__________________
(١) سورة الحجر آية ٩٤ ـ ٩٦.
(٢) سورة الصف آية ٩.
(٣) سورة القمر آية ٤٤ ـ ٤٥.
(٤) سورة الروم آية ٢ ـ ٣.