نرى كتب الفلاسفة الاقدمين ، ومن تأخر عنهم من أهل التحقيق والنظر قد صارت عرضة لسهام النقد ممن تأخر ، حتى أن بعض ما اعتقده السابقون برهانا ، يقينيا ، أصبح بعد وهما من الاوهام ، وخيالا من الأخيلة.
والقرآن مع تطاول الزمان عليه ، وكثرة أغراضه ، وسمو معانيه ، لم يوجد فيه ما يكون معرضا للنقد والاعتراض. اللهم الّا وهم من بعض المكابرين ، حسبوها من النقد. وسنتعرض لها ، ونوضح بطلانها أن شاء الله تعالى.
ه ـ القرآن والاخبار بالغيب
أخبر القرآن الكريم في عدة من آياته عن أمور مهمة ، تتعلق بما يأتي من الأنبياء والحوادث ، وقد كان في جميع ما اخبر به صادقا ، لم يخالف الواقع في شيء منها. ولا شك في ان هذا من الاخبار بالغيب ، ولا سبيل اليه غير طريق الوحي والنبوة.
فمن الآيات التي انبأت عن الغيب قوله تعالى : (وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ وَيَقْطَعَ دابِرَ الْكافِرِينَ) (١).
وهذه الآية نزلت في وقعة بدر ، وقد وعد الله فيها المؤمنين بالنصر على عدوهم ويقطع دابر الكافرين ، والمؤمنون على ما هم عليه من قلّة العدد والعدة ، حتى أن الفارس فيهم كان هو المقداد ، أو هو والزبير ابن العوام والكافرون هم الكثيرون الشديدون في القوة ، وقد وصفتهم الآية بأنهم ذوو شوكة ، وأن المؤمنين أشفقوا من قتالهم ، ولكن الله يريد ان يحق الحق بكلماته. وقد وفى للمؤمنين بوعده ، ونصرهم على اعدائهم ، وقطع دابر الكافرين.
__________________
(١) سورة الاعراف آية ٧.