فبينا الناس على ذلك قد أجمعوا للحرب ، إذ تداعوا إلى الصلح ، على أن يعطوا بنى عبد مناف السقاية والرفادة ، وأن تكون الحجابة واللواء والندوة لبنى عبد الدار كما كانت ، ففعلوا ورضى كل واحد من الفريقين بذلك ، وتحاجز الناس عن الحرب ، وثبت كل قوم مع من حالفوا ، فلم يزالوا على ذلك ، حتى جاء الله تعالى بالإسلام ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «ما كان من حلف فى الجاهلية فإن الإسلام لم يزده إلا شدة» ، يريد المعاقدة على الخير ونصرة الحق.
* * *
فولّى الرفادة والسقاية هاشم بن عبد مناف ، وذلك أن عبد شمس كان رجلا سفارا قلّما يقيم بمكة ، وكان مقلا ذا ولد ، وكان هاشم موسرا ، فكان إذا حضر الحاج قام فى قريش فقال : يا معشر قريش ، إنكم جيران الله وأهل بيته ، وإنه يأتيكم فى هذا الموسم زوّار الله وحجّاج بيته ، وهم ضيف الله ، وأحق الضيف بالكرامة ضيفه ، فاجمعوا لهم ما تصنعون لهم به طعاما أيامهم هذه التى لا بد لهم من الإقامة بها ، فإنه والله لو كان مالى يسع لذلك ما كلفتكموه. فيخرجون لذلك خرجا من أموالهم ، كل امرئ بقدر ما عنده ، فيصنع به للحجاج طعاما حتى يصدروا من مكة.
* * *
وكان هاشم فيما يزعمون أول من سن الرحلتين لقريش رحلتى الشتاء والصيف ، وأول من أطعم الثريد بمكة ، وإنما كان اسمه عمرا ، فما سمى هاشما إلا بهشمه الخبز بمكة لقومه.
* * *
ثم هلك هاشم بن عبد مناف بغزة من أرض الشام تاجرا ، فولّى السقاية