وربما التفت إليه من لم ينظر فى الكتاب ، ولم يعرف مذاهب العرب وما لهم فى النصب على الاختصاص من الافتنان ، وخفى عليه أن السابقين الأولين الذين مثلهم فى التوراة ومثلهم فى الإنجيل ، كانوا أبعد همة فى الغيرة على الإسلام وذب المطاعن عنه من أن يتركوا فى كتاب الله ثلمة ليسدها من بعدهم ، وخرقا يرفوه من لحق بهم.
وقيل : هو عطف على (بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ) أى يؤمنون بالكتاب وبالمقيمين الصلاة ، وهم الأنبياء. وفى مصحف عبد الله (والمقيمون) بالواو ، هى قراءة مالك بن دينار ، والجحدرى ، وعيسى الثقفى.
وقال الزمخشرى (١) : (وَأَكُنْ) (المنافقون : ١٠) عطفا على محل «فأصدق». كأنه قيل : إن أخرتنى أصدق وأكن. ومن قرأ «وأكون» على النصب ، فعلى اللفظ. وقرأ عبيد بن عمير «وأكون» على الرفع ، وتقديره : وأنا أكون ، عدة منه بالصلاح». وقال الزمخشرى (٢) : (إنّ هذان لساحران) (طه : ٦٣) : قرأ أبو عمرو : (إنّ هذين لساحران) ، على الجهة الظاهرة المكشوفة. وابن كثير وحفص : إنّ هذان لساحران ، على قولك : إن زيد لمنطلق. واللام هى الفارقة بين «إن» النافية والمخففة من الثقيلة. وقرأ «أبىّ» : إنّ ذان إلا ساحران. وقرأ ابن مسعود : أن هذان ساحران ، بفتح أن وبغير لام ، بدل من «النجوى». وقيل فى القراءة المشهورة ـ وهو يعنى المصحف الإمام ـ إنّ هذان لساحران ، هى لغة بلحارث بن كعب ، جعلوا الاسم المثنى نحو الأسماء التى آخرها ألف ، كعصا وسعدى ، فلم يقلبوها فى الجر والنصب. وقال بعضهم : «إنّ» بمعنى : «نعم» و«ساحران» خبر مبتدأ محذوف ، واللام داخلة على الجملة ، تقديره : لهما ساحران ، وقد أعجب به أبو إسحاق.
وها أنت ذا ترى فى كلام الزمخشرى دليلا جديدا يؤيد ما قلنا من قبل عن القراءات السبع فى القرآن وأنها لغات العرب جاءت مبثوثة فى القرآن ، وبها كلها يتجه الكلام.
وأما ما جاء معزوّا إلى عائشة ، فما نظن عائشة تسكت على خطأ الكتّاب فى كتاب الله وترضى به يشيع ويخرج عن المدينة إلى الأمصار ، ولم تكن بعيدة عن عثمان ولا عن الصحابة الكاتبين ، وما نظنها كانت أقل منهم حرصا على سلامة كتاب الله ، وحسبك ما قدمه الزمخشرى فى هذه.
__________________
(١) الكشاف (٤ : ٥٤٤).
(٢) الكشاف (٣ : ٧٢).