وأما عن تلك التى تعزى لأبان بن عثمان ، فلا ندرى كيف جاءت على لسانه ، مع العلم بأنه ممن لم يشهدوا عصر التدوين ، ولا كان حاضر ذلك ، فلقد كانت وفاته سنة ١٠٥ ه ، وعثمان مات سنة ٣٥ ه.
فهذا الذى نسب إلى «أبان» استنباط لا رواية مأثورة. وهذا الاستنباط الذى استنبطه «أبان» لا يصح إلا عن مشاهدة أو سماع عن مشاهدة ، وكلاهما لم يتوفر لهذا الحكم.
وثمة شىء آخر : ما يعزوه أصحاب التواليف فى المصاحف إلى الحجاج بن يوسف ، وأنه غير فى مصحف عثمان أحد عشر حرفا ، وقد رواها أبو بكر السجستانى فى كتابه المصاحف مرتين :
الأولى يقول فيها : حدثنا عبد الله : حدثنا أبو حاتم السجستانى : حدثنا عبّاد بن صهيب ، عن عوف ابن أبى جبلة : أن الحجاج بن يوسف غير فى مصحف عثمان أحد عشر حرفا (١).
والثانية يقول فيها : قال أبو بكر ـ يعنى نفسه ـ كان فى كتاب أبىّ : حدثنا رجل ، فسألت أبىّ : من هو؟ فقال : حدثنا عبّاد بن صهيب ، عن عوف بن أبى جميلة : أن الحجاج بن يوسف غير فى مصحف عثمان أحد عشر حرفا (٢).
وهذه هى الأحرف كما ذكرها أبو بكر السجستانى :
١ ـ كانت فى البقرة (لم يتسنّ) فغيرها (لم يتسنّه) بالهاء (الآية : ٢٥٩).
وأحب أن أعقّب أن ابن مسعود قرأ (لم يتسن) والأصل فيها «يتسنن» ، فقلبت لأن الثانية حرف علة ، كما فى : تقضض ، وتقضى. وقرأ حمزة والكسائى بحذف الهاء فى الوصل ، على أنها هاء السكت. وقرأ باقى السبعة بإثبات الهاء فى الوصل والوقف ، على أنها أصلية. وقرأ «أبى» «لم يسّنّه» بإدغام التاء فى السين.
٢ ـ وكانت فى سورة المائدة : (شريعة ومنهاجا) ، فغيّره (شرعة ومنهاجا) (الآية : ٤٨) وأحب أن أعقّب أن هذه لم يقرأ بها أحد من القرّاء.
٣ ـ وكانت فى سورة يونس (هو الّذى ينشّركم) ، فغيّره (هو الّذى يسيّركم) (الآية : ٢٢).
__________________
(١) المصاحف (ص : ٤٩).
(٢) المصاحف (ص : ١١٧).