غير أن هذه المراحل التى جاءت بعد الحجاج لم تتم فى يوم وليلة ، بل امتدّت بامتداد الأيام ، ولقد كانت وفاة الحجّاج فى العام الخامس والتسعين من الهجرة ، ونرى السّجستانى يروى أخباره في تجزئة القرآن تلك التجزئة الثانية عن رواة تنحصر وفاتهم فى القرن الثانى للهجرة ، ثم نرى ابن النديم وهو يتكلم عن الكتب المؤلفة في أجزاء القرآن يذكر لنا :
١ ـ كتاب أسباع القرآن لحمزة بن حبيب بن عمارة الزيات. ولقد كانت وفاة حمزة سنة ١٥٨ ه.
٢ ـ كتاب أجزاء ثلاثين ، عن أبى بكر بن عياش ، ولقد كانت وفاة أبى بكر بن عياش سنة ١٩٣ ه (١).
وما يعنينا الكتاب الأول ، فلقد علمنا أن تجزئة القرآن أسباعا ، كانت على يد الحجاج حروفا ، وقد تكون على يد حمزة آيات ، نقول لا تعنينا هذه ولكن تعنينا الثانية ، فهى تدلنا على أن تجزئة القرآن إلى ثلاثين جزءا ، وهى التجزئة التى عليها مصاحفنا اليوم ، تجزئة قديمة انتهت إلى أبى بكر بن عياش ، بهذا يشعرنا أسلوب ابن النديم ، إذ لم يعز الكتاب لأبى بكر وإنما قال : عن أبى بكر بن عياش.
إذن فتجزئة القرآن ثلاثين جزءا لم تغب عن القرن الثانى الهجرى ، ولا يبعد أن تكون دون منتهاه بكثير ، فقد كان مولد أبى بكر بن عياش سنة ست وتسعين من الهجرة ، والرجل يصلح للتلقّى والرواية مع الخامسة والعشرين من عمره ، أى إن أبا بكر بن عياش كان رجل رواية وتلقّ مع العام العشرين بعد المائة الأولى من الهجرة.
وهذه التجزئة الأخيرة ، أعنى تجزئة القرآن ثلاثين جزءا ، هى التجزئة التى غلبت وعاشت ، ولعل ما ساعد على غلبتها يسرها ، ثم ارتباطها بعدد أيام الشهر ، ونحن نعلم كم تجد هذه التجزئة إقبالا عظيما فى شهر رمضان من كل عام ، وما نظن الذين جزءوا انتهوا إلى هذه التجزئة الأخيرة فى مرحلة واحدة متجاوزين التجزئة العشرية إلى التجزئة الثلاثينية ، والذى نقطع به أنه كانت ثمة تجزئات بين هاتين المرحلتين لا ندرى تدرجها ، ولكن يعنينا أن نقيّد أن ثمة تجزئة تقع في عشرين جزءا ، تحتفظ بها مكتبة دار الكتب المصرية.
وبهذه التجزئة ـ أى إلى ثلاثين جزءا ـ أصبح القرآن يعرض أجزاء منفصلة كل جزء على حدة ، وأصبحنا نراه فى المساجد ـ لا سيما فى شهر رمضان ـ محفوظا فى صناديق بأجزائه الثلاثين ، كل مجموعة فى صندوق ، يقدمه الراغبون فى الثواب إلى المختلفين إلى المساجد رغبة فى تلاوة نصيب من القرآن.
__________________
(١) الفهرست (ص : ٥٥) طبعة مصر.