فى الرأى ، أشتات فى الفكر ، يمسك كل بما يحلو له ويطيب ، وإذا هم قد نبذوا الكثير مما توارثوه من شريعة إبراهيم وإسماعيل لا يستمسكون منه إلا ببقية قليلة ، كانت تتمثل فى تعظيم الكعبة ، والحج إلى مكة ، وإذا هم بعد هذا أمة أضلتها الضلالات ، واستهوتها الموبقات ، واستحوذت عليها الخرافات ، تذل للأصنام ، وتستنيم للكهان ، وتستولى الأزلام ، وإذا أخلاقها تراق وتهون على موائد الخمر والميسر ، وإذا عدلها يفوته عليها بغى الأقوياء ، وإذا أمنها ليس لها منه إلا هباء.
ويقال : إن أول ما كانت عبادة الحجارة فى بنى إسماعيل ، فكان لا يظعن من مكة ظاعن منهم ، حين ضاقت عليهم والتمسوا الفسح فى البلاد ، إلا حمل معه حجرا من حجارة الحرم تعظيما له ، فحيثما نزلوا وضعوه ، فطافوا به كطوافهم بالكعبة حتى خرج بهم ذلك إلى إن كانوا يعبدون ما استحسنوا من الحجارة ، حتى نسوا ما كانوا عليه ، واستبدلوا بدين إبراهيم وإسماعيل غيره ، فعبدوا الأوثان ، وصاروا إلى ما كانت عليه الأمم قبلهم من الضلالات.
وكان فيهم على ذلك بقايا من عهد إبراهيم يتمسكون بتعظيم البيت ، والطواف به ، والحج والعمرة ، مع إدخالهم فيه ما ليس منه.
وكان الذين اتخذوا تلك الأصنام من ولد إسماعيل وغيرهم :
هذيل بن مدركة بن إلياس بن مضر ، اتخذوا «سواعا» برهاط (١).
وكلب بن وبرة ، من قضاعة ، اتخذوا «ودّا» بدومة الجندل (٢).
وأنعم ، وطيئ ، وأهل جرش ، من مذحج ، اتخذوا «يغوث بجرش» (٣).
__________________
(١) من أرض ينبع.
(٢) من أعمال المدينة.
(٣) من مخاليف اليمن من جهة مكة.