الشّريعة ؛ إذ عرفت : أنّ غالب العمومات الواردة فيها إنّما هي مرادة بإرادة استعماليّة ، بمعنى : صدورها ضربا للقاعدة وبيانا للأحكام الظّاهريّة ، والمفروض ، أنّ الخاصّ حينئذ يكون مخصّصا لها ، لا ناسخا ، ولا يخفى ، أنّه لا ملازمة بين المراد الاستعمالي والمراد الجدّي.
هذا ، ولكن أجاب بعض الأعاظم قدسسره عن هذا التّفصي بما حاصله (١) : أنّ هذه العمومات يدور أمرها في مقام الدّلالة والإثبات بين الأمرين : الأوّل : ظهورها في العموم حسب الإرادة الجدّيّة الواقعيّة والحكم الواقعي ؛ الثّاني : ظهورها فيه حسب الإرادة الاستعماليّة والحكم الظّاهري لمكان القرنية الدّالّة ، على أنّ ورودها كان ضربا للقانون وتأسيسا للقاعدة ، فعلى الأوّل يلزم تأخير البيان عن وقت الحاجة ، كيف ، وأنّ العمومات ظاهرات في العموم جدّا ، والخصوصات المتأخّرة بيانات عن عدم إرادة العموم جدّا. وعلى الثّاني لا ظهور للعمومات في العموم واقعا وجدّا حتّى يتمسّك به في مقام الإثبات وفي ظرف الشّكّ في المراد.
وفيه : أنّه لا محذور في الالتزام بأحد هذين الأمرين ، أمّا الأوّل : فلما عرفت مفصّلا ، من أنّ تأخير البيان عن وقت الحاجة ، لا محذور فيه إذا كان لمصلحة تقتضيه ؛ أمّا الثّاني : فلأنّ العمومات وإن لم تكن ظاهرة في العموم واقعا وجدّا ، إلّا أنّه لا يوجب عدم جواز التّمسّك به في ظرف الشّكّ في المراد ؛ إذ المفروض ، أنّ العمومات حكم ظاهريّ مجعول لمصلحة ، كسائر الأحكام الظّاهريّة المجعولة لمصالح ، فلا مانع من التّمسّك به.
__________________
(١) راجع ، محاضرات في اصول الفقه : ج ٥ ، ص ٣١٩.