وأمّا احتمال كون الاستصحاب أصلا ، فمستنده هو أنّ الأماريّة إنّما تتقوّم بكون الشّيء ذات جهة كاشفيّة وطريقيّة إلى الواقع ولو ناقصا ، والمفروض ، أنّ الاستصحاب ليس كذلك ؛ إذ اليقين السّابق قد زال ، ولا حظّ للمكلّف حين الاستصحاب إلّا الشّكّ ، وأمّا اقتضاء وجود المستصحب للبقاء فيما كان فيه الاقتضاء ، وكون الوجود الكذائي كاشفا ـ ولو ناقصا عن بقاءه ـ موجبا لحصول الظّنّ به ، فهو وإن كان كذلك ، لكنّه أجنبيّ عن اليقين السّابق وأماريّته ، كما أشار إليه الإمام الرّاحل قدسسره (١).
مع أنّه لا يكون بناء العقلاء على العمل بهذه المرتبة من الظّنّ بلا حصول وثوق واطمينان ، كما هو واضح.
أضف إلى ذلك ، أنّ الأمارة تتقوّم ـ أيضا ـ بكون العناية في مقام الجعل إلى الكاشفيّة والطّريقيّة ، والمفروض ، أنّه لا عناية في روايات الاستصحاب إلى كاشفيّة الوجود السّابق ، عن البقاء حتّى يجعل ذلك الوجود أمارة عليه باعتبار كونه موجبا لحصول ظنّ ما ، وإنّما العناية إلى أنّ اليقين لإبرامه لا ينبغي أن ينقض بالشّكّ الّذي لا إبرام فيه.
وعليه : فالاستصحاب يكون من الاصول التّعبّديّة الشّرعيّة ، كما أشار إليه الإمام الرّاحل قدسسره (٢).
إذا عرفت ذلك ، فنقول : إنّ مقتضى التّحقيق في المسألة هو ما اختاره الإمام
__________________
(١) راجع ، تهذيب الاصول : ج ٢ ، ص ١١٤.
(٢) راجع ، أنوار الهداية : ج ٢ ، ص ١١٠.