(وجوب الفحص)
الأمر الثّاني : أنّه يشترط في جريان البراءة ـ عقليّة كانت أو نقليّة ـ وجوب الفحص واليأس عن الظّفر بالدّليل في المسألة ؛ أمّا البراءة العقليّة ، فلأنّ موضوعها هو عدم البيان ، وهذا لا يحرز إلّا بالفحص والتّفتيش.
وأمّا البراءة النّقليّة ، فلأنّ قضيّة إطلاق أدلّتها ـ كحديث الرّفع ـ وإن كان هو عدم اعتبار الفحص فيها ، سواء كانت الشّبهة موضوعيّة ، أو حكميّة ، لكنّها مقيّدة بما بعد الفحص بالقرينتين (العقليّة المتّصلة الهادمة لظهور تلك الاصول في الإطلاق ، والنّقليّة المنفصلة من الكتاب والسّنّة الهادمة لحجّيّة إطلاق تلك الاصول).
وبالجملة : لا كلام في أصل وجوب الفحص واليأس عن الظّفر بالدّليل في جريان البراءة ، إنّما الكلام في موارد :
الأوّل : هل يجب الفحص بمقدار حصول العلم بعدم الدّليل ، أم يكفي حصول الاطمئنان أو الظّن ، وجوه ، والأقوى هو الثّاني ، فلا يلزم حصول العلم به ، كما لا يكفي مجرّد الظّن به.
أمّا عدم لزوم حصول العلم ، فلأنّه أوّلا : ممّا لا دليل عليه ؛ وثانيا : أنّه يوجب العسر والحرج ؛ وثالثا : أنّه يستلزم سدّ باب الاجتهاد ، إذ لا يحصل العلم بعدم الدّليل بسبب الفحص عادة وإن كان الفاحص ملحّا.
وأمّا عدم كفاية مجرّد الظّن ، فلأنّه ـ أيضا ـ ممّا لا دليل عليه ، كيف ، وأنّ الظّن ممّا لا يغني من الحقّ شيئا ، فلا اعتداد به قطعا. وعليه ، فالمتعيّن هو حصول