(تقديم الأصل الموضوعيّ على البراءة)
الأوّل : أنّه يشترط في جريان البراءة العقليّة والنّقليّة في كلّ شبهة مطلقا ـ موضوعيّة كانت أو حكميّة ، تحريميّة كانت أو وجوبيّة ـ بعدم وجود أصل حاكم أو وارد عليها من استصحاب موضوعيّ أو حكميّ موافق أو مخالف لها ، وإلّا فلا تجري في مورد الشّبهة بلا ريب ؛ وذلك ، لأنّ موضوع البراءة العقليّة هو عدم البيان والبرهان ، وموضوع البراءة الشّرعيّة هو عدم العلم ، فكلّ ما يصلح أن يكون بيانا أو علما ولو بنحو التّعبّد يتقدّم على البراءة ، إمّا بالحكومة ، كما عن الشّيخ الأنصاري قدسسره (١) ، وإمّا بالورود ، كما عن المحقّق الخراساني قدسسره (٢).
والجدير هنا أن نذكر بعض الأمثلة في المقام ، مزيدا للإيضاح ، فنقول :
أمّا الشّبهة الموضوعيّة ، فهو نظير ما إذا علم بخلّيّة مائع ثمّ شكّ في صيرورته خمرا ، ففي مثل هذا الشّكّ وإن كان مقتضى البراءة هو جواز الشّرب والحلّيّة ، إلّا أنّ هنا أصلا آخر موافقا لمقتضاها وهو استصحاب الخلّيّة السّابقة المتيقّنة. ولا ريب ، أنّ هذا الأصل يرفع موضوع البراءة وهو الشّكّ ، لكونه علما تعبّدا وبالعناية ، فيكون واردا أو حاكما عليها ، هذا بالنّسبة إلى الأصل الموافق للبراءة.
وأمّا الأصل المخالف لها ، فهو نظير عكس ما ذكر في المثال المتقدّم ، بأن علم خمريّة مائع ، ثمّ شكّ في صيرورته خلّا ، ففي هذا المورد وإن تقتضي البراءة ـ أيضا ـ
__________________
(١) فرائد الاصول : ج ٢ ، ص ١٠٩.
(٢) راجع ، كفاية الاصول : ج ٢ ، ص ١٩٠ و ٣٥١ و ٣٥٤.