(جريان البراءة في الشّبهات الموضوعيّة والحكميّة)
الأمر الرّابع : ربما يتوهّم أنّ لا مجال لأصالة البراءة العقليّة أو النّقليّة في الشّبهات الموضوعيّة ، وأنّها تختصّ بالشّبهات الحكميّة.
بتقريب : أنّ مورد قاعدة قبح العقاب بلا بيان ، هو ما إذا لم يرد بيان من الشّارع أو ورد ولم يصل إلى المكلّف. ومن المعلوم ، أنّ البيان ورد في الشّبهات الموضوعيّة ووصل إلى المكلّف بلا كلام ، إذ ليست وظيفة الشّارع إلا بيان الكبريات ، كقوله تعالى : (حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ) والمفروض أنّه قد بيّنها.
وإن شئت ، فقل : إنّ الحكم الكلّيّ الإلهيّ في الشّبهات الموضوعيّة واصل معلوم ، فلا شكّ في مقام الجعل والتّشريع ، إنّما الشّكّ في موقف الامتثال والتّطبيق ، فالمرجع حينئذ هو قاعدة الاشتغال ، لا البراءة ، لأنّ الاشتغال اليقينيّ يستدعي الفراغ اليقينيّ.
أو فقل : إنّه لا شكّ في الأحكام الكلّيّة في الموضوعات الخارجيّة ، مطلقا لا بالذّات ولا بالاستتباع ، بل هي ممّا قد بيّنها الشّارع وواصلة إلى المكلّف ، وهذا بخلاف الموضوعات الخارجيّة ، فإنّها مشكوكة بالذّات وبخلاف الأحكام الجزئيّة فيها فإنّها مشكوكة بالاستتباع ، بمعنى : الشّكّ إنّما يكون في الموضوعات أوّلا وبالذّات ، ثمّ يكون في أحكامها الجزئيّة ثانيا وبالعرض ، وليس دفع الشّكّ فيهما من وظيفة الشّارع. وبالجملة : فما كانت وظيفته قد بيّن ، وما لم يبيّن لم تكن وظيفته.
وقد دفع هذا التّوهّم بوجهين : الأوّل : ما عن الشّيخ الأنصاري قدسسره من أنّ