(الاستدلال بالكتاب)
أمّا الكتاب ، فهو قوله تعالى : (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً)(١) ، وقوله عزوجل : (وَما كانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّها رَسُولاً يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا وَما كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرى إِلَّا وَأَهْلُها ظالِمُونَ)(٢) وقوله تعالى : (وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا لَها مُنْذِرُونَ)(٣).
تقريب الاستدلال : أنّ بعث الرّسول كناية عن بيان الأحكام وإتمام الحجّة على الأنام ، فتدلّ الآيات المتقدّمة حينئذ على نفي العذاب والعقوبة بمخالفة التّكليف الّذي لم يقم عليه الحجّة ولم يتمّ فيه البيان ، وهذا معنى البراءة.
وقد اورد على هذا الاستدلال بوجهين :
الأوّل : أنّ المراد من الآيات هو الإخبار عن عدم وقوع العقوبة على الامم السّابقة إلّا بعد تماميّة البيان وإتمام الحجّة عليهم ، كما يشهد له استعمال لفظ الماضي فيها ، فإذا لا دلالة لها على نفي العقوبة الاخرويّة عند عدم قيام الحجّة كي تكون دليلا على البراءة.
وفيه : أوّلا : أنّ نفي العقوبة الاخرويّة يستفاد من الآيات ، بالأولويّة القطعيّة ، لأجل أهونيّة العقوبة الدّنيويّة الّتي ليس لها دوام وبقاء.
__________________
(١) سورة الإسراء (١٧) ، الآية ١٥.
(٢) سورة القصص (٢٨) ، الآية ٥٩.
(٣) سورة الشّعراء (٢٦) ، الآية ٢٠٨.