أمر عقلىّ ونقليّ مسلّم عند جميع الأعلام من الاصوليين والأخباريين ، فلا نزاع في هذه الكبرى المسلّمة عند العقل والنّقل ، إنّما النّزاع بينهما في الصّغرى وفي قيام الحجّة وعدمه وتماميّة البيان وعدمها من ناحية المولى ، فالأخباريّون قالوا : بقيام الحجّة وتماميّة البيان بالنّسبة إلى الأحكام الواقعيّة لوجود الأمرين : أحدهما : العلم الإجماليّ بثبوت التّكاليف وهو يقتضي وجوب الاحتياط لمنجّزيّته كالعلم التّفصيلى ؛ ثانيهما : روايات وجوب الاحتياط في المشتبهات ووجوب التّوقّف عند الشّبهات ، وسيأتي التّعرض لهذين الأمرين عند استدلال الأخباريين.
ولكن الأصوليّين أنكروا قيام الحجّة وتماميّة البيان بالنّسبة إلى الأحكام وقالوا : بالبراءة ، فينبغي أن يبحث في البراءة ، عن صغرى المسألة وهي هل الحجّة قائمة على الأحكام ، أم لا؟ وهل العلم الإجماليّ بثبوت التّكاليف الّذي إدّعاه الأخباري باق حتّى يجب الاحتياط أو منحلّ؟ وهل الرّوايات تدلّ على وجوب الاحتياط في الشّبهات البدويّة بعد الفحص واليأس ، أم لا تدلّ ، بل تكون ناظرة إلى قبل الفحص أو إلى الشّبهات المقرونة بالعلم الإجماليّ أو إلى غير ذلك؟ وأمّا كبرى المسألة وهي عدم استحقاق العقاب عند عدم تماميّة البيان ، فلا تحتاج إلى البحث لما أشرنا آنفا من أنّها أمر مسلّم عند العقل والنّقل ، إلّا أنّ الشّيخ الأنصاري قدسسره قد بحث عنها لبعض الأغراض والفائدة ، ولأجل ذلك نبحث عنها ـ أيضا ـ فنقول :
قد استدلّ الاصوليّون على البراءة عند الشّكّ في التّكليف بالأدلّة الأربعة : من الكتاب والسّنّة والإجماع والعقل.