(دوران الأمر بين المحذورين في تعدّد الواقعة)
أمّا الصّورة الرّابعة (دوران الأمر بين المحذورين في فرض تعدّد الواقعة بلا فرق بين التّعبّديّات والتّوصّليّات) ، فهي على نحوين :
الأوّل : أن تكون تعدّد الواقعة عرضيّا ، كما إذا علم المكلّف إجمالا بحلفه تارة على فعل أمر ، واخرى على ترك أمر آخر ، ولكن اشتبه عليه هذان الأمران ، فهل يحكم هنا بالتّخيير أم يحكم بالاحتياط بفعل أحدهما وترك الآخر؟ وجهان : والأقوى هو الثّاني ؛ إذ غاية ما يمكن أن يقال : في وجه الأوّل هو اندراج المقام في دوران الأمر بين المحذورين مع عدم إمكان الاحتياط رأسا ، وقضيّة ذلك جواز الإتيان بالأمرين ، كجواز تركهما معا وهذا هو التّخيير.
وفيه : أنّ العلم الإجماليّ بالإلزام المردّد بين الوجوب والحرمة في كلّ من الأمرين ، وإن لم يكن مؤثّرا في التّنجيز لعدم إمكان الاحتياط ـ حسب الفرض ـ إلّا أنّ هنا علمين إجماليين آخرين ، أحدهما : العلم الإجماليّ بوجوب أحد الأمرين المشتبهين ؛ ثانيهما : العلم الإجماليّ بحرمة أحدهما. ولا ريب ، أنّ مقتضى العلم الإجماليّ الأوّل هو الإتيان بهما ، ومقتضى العلم الإجماليّ الثّاني هو تركهما معا ، وحيث إنّ المكلّف لا يكون متمكّنا من الجمع بين الفعلين والتّركين معا ، فيسقط هذان العلمان الإجماليّان عن التّأثير بالنّسبة إلى وجوب الموافقة القطعيّة ، وهذا بخلاف فعل الأمرين أو تركهما ، فإنّه متمكّن منه ومقتضاه تأثير العلمين الإجماليّين وتنجيزهما