فتكون واجبة. هذا تمام الكلام في الصّورة الثّانية.
أمّا الصّورة الثّالثة (دوران الأمر بين المحذورين في التّعبّديّات مع وحدة الواقعة وكون العبادات ضمنيّة) ، فهي نظير دوران الأمر بين جزئيّة شيء أو شرطيّته لواجب تعبّدي ، وبين مانعيّته عنه ، وفي هذه الصّورة يحكم بوجوب الاحتياط ولو بتكرار العمل والإتيان به مرّتين ، مرّة مع ذلك الشّيء المشكوك شرطيّته ومانعيّته ، ومرّة اخرى بدونه.
نعم ، خالف في ذلك الشّيخ الأنصاري قدسسره فحكم بتخيير المكلّف بين الإتيان بما يحتمل كونه شرطا ومانعا وبين تركه ، تنظيرا لهذه الصّورة مع الصّورة السّابقة وهي التّكليف الاستقلاليّ.
وردّه بعض الأعاظم قدسسره واجاد في ذلك ، حيث قال ، ما حاصله : إنّ المقام لا يقاس بالصّورة السّابقة ؛ إذ المفروض عدم تنجّز الإلزام المردّد بين الوجوب والحرمة هناك لاستحالة الموافقة القطعيّة ، فلا مناص إذا من الحكم بالتّخيير ، وهذا بخلاف المقام ، فإنّ الإلزام المعلوم المردّد بينهما هنا منجّز ، لإمكان الموافقة القطعيّة كالمخالفة القطعيّة ، فيجب الحكم بالاحتياط وتكرار العمل ، كما مرّ آنفا ، وإن شئت ، فقل : إنّ الحكم بالتّخيير إنّما هو فيما إذا لم يكن المكلّف متمكّنا من الامتثال العلميّ ، وأمّا إذا كان متمكّنا منه ، فلو دلّ الدّليل على الاقتصار بالامتثال الاحتماليّ فهو ، وإلّا ـ كما هو المفروض في المقام ـ فالعقل يستقلّ في الحكم بالامتثال العلميّ باعتبار أنّ شغل الذّمّة يقينا يقتضي الفراغ اليقينيّ (١). هذا في الصّورة الثّالثة.
__________________
(١) راجع ، مصباح الاصول : ج ٢ ، ص ٣٣٨.