الأحكام الشّرعيّة إنّما تكون مجعولة بنحو القضايا الحقيقيّة وهي القضايا الّتي علّق الحكم فيها على الأفراد المقدّر وجودها ، فإذا تنحلّ تلك القضايا إلى أحكام متعدّدة بتعدّد أفراد الموضوع ، فيكون مع هذا الانحلال حكم مستقلّ لكلّ فرد من أفراد الموضوع ، فالشّكّ في فرديّة شيء للموضوع كان شكّا في ثبوت الحكم لذلك الشّيء ، فكان شكّا في التّكليف والاشتغال ، لا في التّفريغ والامتثال ، فالمرجع هو البراءة لا الاشتغال. (١)
وفيه : ما عرفت في بعض مباحث الألفاظ من عدم صحّة قضيّة الانحلال ، فراجع.
الثّاني : ما عن المحقّق الخراساني قدسسره من أنّ النّهي على قسمين : أحدهما : أن يكون انحلاليّا ، بمعنى : أنّ لكلّ فرد من أفراد الموضوع حكما مستقلا ، بحيث يكون الشّكّ في فرديّة شيء للموضوع وانطباقه عليه شكّا في ثبوت الحكم والتّكليف ، فيرجع إلى البراءة ؛ ثانيهما : أن يكون غير انحلاليّ ، بمعنى : أنّ النّهي متعلّق بالطّبيعة على نحو صرف الوجود ، بحيث لا بدّ أن تترك رأسا ، وهذا لا يتأتّى إلّا بترك جميع ما يكون انطباق الطّبيعة عليه محتملا ، فلا بدّ في المشكوكات من الرّجوع إلى الاشتغال ، نظرا إلى أنّ اشتغال الذّمّة بترك الطّبيعة معلوم البتّة وهو يقتضي الامتثال على نحو يحصل القطع بتفريغ الذّمّة ، ولا يمكن ذلك إلّا بترك جميع أفراد الطّبيعة حتّى المشكوكات.
وعليه ، فلا تنحصر جريان البراءة في الشّبهات الحكميّة. (٢)
__________________
(١) راجع ، فرائد الاصول : ج ٢ ، ص ١٢١.
(٢) راجع ، كفاية الاصول : ج ٢ ، ص ٢٠٠.