هذا ، ولكن يمكن المنع عن هذين الشّرطين :
أمّا الشّرط الأوّل ، فلأنّ عدم جريان البراءة في المثال المتقدّم ، إنّما هو لأجل ابتلاءه بالمعارض ، لوجود العلم الإجماليّ بنجاسة أحد الإنائين ، لا لما ذكره الفاضل التّوني قدسسره من كون أصل البراءة فيه مثبتا ؛ ولذا لو فرضنا قيام الأمارة في الطّرفين ، لا يمكن العمل بها لأجل المعارضة مع حجّيّة المثبتات من الأمارات.
أمّا الشّرط الثّاني ، فلأنّ عدم جريان البراءة في المثال المذكور ، إنّما هو لأجل التّمسّك بالدّليل الاجتهاديّ وهو «قاعدة لا ضرر» لوقوع الضّرر فيه لا محالة على المالك ، فلا يبقى المجال في مثل ذلك لجريان البراءة عن الضّمان ، لكونه خلاف الامتنان على المالك ، فيحكم بالضّمان ـ لإطلاق قوله عليهالسلام : «من أتلف مال الغير ، فهو له ضامن» ـ في ما إذا ترتّب الطّيران على فعل هذا الشّخص ، ترتّب المعلول على العلّة بنظر العرف ، بحيث يعدّ فعله إتلافا بنظرهم.
وإن شئت ، فقل : إنّ البراءة إنّما هو أصل عمليّ يجري عند الشّك في الحكم الواقعي ، وواضح ، أنّه إذا دلّ دليل اجتهاديّ ناظر إلى الحكم الواقعي على حكم شيء ، فلا مجال عندئذ لإجراء البراءة ، وذلك لحكومة دليل الاجتهاديّ على الأصل العمليّ ، بحيث يرفع ذلك الدّليل موضوع البراءة وهو الشّك ، ففي المقام بعد جريان «قاعدة لا ضرر» الّتي يكون دليلا اجتهاديّا ناظرا إلى الواقع ، لا يصل الدّور إلى إجراء البراءة ، فعدم إجراءها إنّما هو لأجل ذلك الدّليل الاجتهاديّ ، لا لأجل كونه مثبتا.