أو فقل : إنّ العلم هو ما ينكشف به الواقع ، لا نفس انكشافه ، بمعنى : أنّه هو المعلوم بالذّات الّذي ينكشف به المعلوم بالعرض ، فانكشافه ذاتيّ ، وانكشاف الغير به عرضيّ.
ولا ريب : أنّ كون القطع انكشافا بذاته ، لا يستلزم كونه عين انكشاف الغير به ، بل انكشاف الغير به يكون من آثاره ولوازمه غير منفكّة عنه ، كالنّور حيث يكون ظاهرا بالذّات وليس عين الإظهار للغير ، بل الإظهار يكون من اللّوازم والآثار.
فتحصّل : أنّه ليس القطع عين الطّريقيّة وانكشاف الغير ، بل يكون أمرا منكشفا بذاته يتطرّق به إلى الغير وينكشف الغير به ؛ ولعلّه لأجل ذلك لم يجزم المحقّق النّائيني قدسسره بالعينيّة وقال : «بل بوجه يصحّ أن يقال : إنّها عين القطع».
ومن العجب العجاب ، أنّ بعض الأعاظم قدسسره مع أنّه قائل ـ تبعا للمحقّق النّائيني ـ بكون طريقيّة القطع عين ذاته ، ولذلك لا يتطرّق إليه الجعل ، نظرا إلى أنّ ثبوت الشّيء لنفسه ضروريّ ، قال قدسسره في مبحث القطع الموضوعي ـ بعد توضيح أنّ القطع من الصّفات الحقيقيّة ذات الإضافة ـ ما ينافي ذلك ، وإليك نصّ كلامه : «فللعلم جهتان : الاولى : كونه من الصّفات المتأصّلة وله تحقّق واقعيّ ؛ الثّانية : كونه متعلّقا بالغير وكاشفا عنه ، فقد يكون مأخوذا في الموضوع بلحاظ الجهة الاولى ، وقد يكون مأخوذا في الموضوع بملاحظة الجهة الثّانية» (١).
هذا تمام الكلام في الجهة الاولى (طريقيّة القطع).
أمّا الجهة الثّانية (حجّيّة القطع الطّريقيّ) فقد اختلفت آراء بين الأعلام في
__________________
(١) مصباح الاصول : ج ٢ ، ص ٣٣.