مقصودهم هو أنّ الذّاتى لا يحتاج إلى علة اخرى وراء علّة الذّات ولا إلى عليّة اخرى ، ولا تأثير آخر ولو من ناحية علّة الذّات ، بل ينجعل بنفس جعل الذّات لكونه ممّا لا يمكن انفكاكه عن الذّات ، وعليه ، فاللّازم مطلقا ولو كان لازم الوجود لا يكون معلّلا ، بل ينجعل بجعل الملزوم. هذا تمام الكلام في الجهة الثّانية.
أمّا الجهة الثّالثة (إمكان الرّدع عن العمل بالقطع وعدم إمكانه) فالتّحقيق : أنّه لا مجال للمنع الشّرعيّ عن العمل بالقطع وتأثيره ، إذ هذا نظير المنع التّشريعيّ عن تأثير النّار والماء في الحرارة والبرودة ، فكما أنّه لا يعقل هناك ، فكذلك المقام.
على أنّه يلزم من المنع ، اجتماع الضّدّين ، إمّا في الاعتقاد ، سواء أصاب أم لم يصب ، أو في الواقع إذا أصاب ، هذا بناء على القول بتضادّ الأحكام ، كما ذهب إليه المحقّق الخراساني قدسسره (١) أو يلزم منه اجتماع الإرادتين المختلفتين على مراد واحد ، كاجتماع إرادة الحتميّة الإيجابيّة مع التّحريميّة بالنّسبة إلى «صلاة الجمعة» مثلا ، وهذا بناء على عدم تضادّ الأحكام ، لكونها امورا اعتباريّة لا حقائق خارجيّة ، كما ذهب إليه الإمام الرّاحل قدسسره (٢).
هذا ، ولكن قد يقال : إنّ الظّنّ القياسيّ ـ بناء على الانسداد وكون نتيجة مقدّمات الحكمة ، هي الحكومة ـ يكون كالقطع في وجوب المتابعة والآثار الأخر ، مع أنّ الشّرع الأنور منع من العمل به ، والأصحاب متسالمون على بطلان العمل بالقياس ويقولون : «أمّا القياس فليس من مذهبنا» ، ولم يقل أحد بعدم جواز المنع ،
__________________
(١) راجع ، كفاية الاصول : ج ٢ ، ص ٨.
(٢) راجع ، تهذيب الاصول : ج ٢ ، ص ٨٥.