كما أجاد قدسسره ـ أيضا ـ فيما قال به ، تبعا للمحقّق العراقي قدسسره (١) من أنّ العناوين هنا طوليّان ، فلا بأس بالقول بالحكمين ولو قيل : بامتناع الاجتماع في عنوانين عرضيين.
وبالجملة : التّجرّي والانقياد ، كالعصيان والإطاعة يكونان من العناوين المتأخّرة المعلولة للأمر والنّهي ، فلا يسري إليهما أحكام العناوين المتقدّمة المعروضة للأمر والنّهي السّابقة عليهما ؛ والفرق بينهما وبين العصيان والإطاعة هو أنّ الأمر أو النّهي هنا يكون زعميّا وهناك يكون حقيقيّا ، فعنوان شرب الماء ـ مثلا ـ عنوان ذاتيّ سابق على الأمر المولويّ والإرادة المولويّة ، فيكون حسنا محبوبا ، وأمّا عنوان التّجرّي والطّغيان ، فعنوان عرضيّ لا حق معلول للأمر والإرادة المولويّة ، كالعصيان ، فيكون قبيحا مبغوضا.
وإن شئت ، فقل : العناوين الذّاتيّة تكون في سلسلة موضوعات الأحكام أو متعلّقاتها ـ حسب ما اصطلحوا ـ وأمّا التّجرّي والانقياد ، أو العصيان والإطاعة تكون في سلسلة معاليل الأحكام. وعليه : فلا يسري حسن شرب الماء إلى التّجرّي ولا قبح التّجرّي إلى شرب الماء لو تجرّى وارتكب الشّرب مع القطع بالخمريّة ، مثلا.
ومن هنا يظهر : أنّ ما قال به الإمام الرّاحل قدسسره : من الإشكال وأنّ قياس التّجرّي بالإطاعة ، قياس مع الفارق ، وأنّ الإرادة لم تتعلّق بشرب الماء ، بل تعلّقت بإتيان ما هو مقطوع الحرمة ، غير وارد ظاهرا ؛ وظنّي ، أنّه وقع فيه الخلط بين إرادة
__________________
(١) راجع ، نهاية الأفكار : ج ٣ ، ص ٣٣.