بالمعنى الثاني التي قيامها بالنفس قيام الفعل بفاعله. وإن شئت فسمّها بالاختيار أو المشيئة أو إعمال القدرة أو حملة النّفس.
وبالجملة علّة الأفعال ـ وهي الإرادة بمعنى الاختيار وإعمال القدرة ـ اختيارية ، إذ للنفس أن تعمل قدرتها نحو الفعل وتفعل وأن لا تعمل قدرتها ولا تفعل ، فإذا كانت العلّة اختياريّة ، فلا محالة يكون المعلول أيضا اختياريّا.
إن قلت : إعمال القدرة وحملة النّفس واختيارها أيضا فعل من الأفعال ، وبالضرورة لا يكون واجب الوجود ، فيكون ممكنا محتاجا إلى العلّة ، فهي إمّا إرادية أو اضطرارية ، فهو على الثاني يكون اضطراريّا ، ويعود المحذور ، وعلى الأوّل ننقل الكلام فيها ، فإن كانت إرادية ، يتسلسل ، وإلّا يعود المحذور ، فلا أثر لهذا الجواب أصلا.
قلت : يكفي في كون الفعل اختياريّا أمران :
الأوّل : مقدوريته للفاعل بحيث يمكنه أن يفعل وأن لا يفعل.
الثاني : استناده إليه بحيث يصدر من الفاعل لا عن قهر وقسر ، ولا يلزم في ذلك أزيد من هذين الأمرين.
وما اشتهر في الألسنة من أنّ الممكن لا بدّ لوجوده في الخارج من علّة ممّا لا أصل له لو كان المراد ظاهره من عدم الانفكاك بينهما ، ولكنّ الظاهر أنّ مرادهم بذلك أنّ الممكن حيث إنّ نسبته إلى الوجود والعدم على حدّ سواء وككفّتي الميزان لا يوجد