لا يكلّف عبده بالمعيّن من أحد الأمرين المتساويين من كلّ وجه على وجه يعاقب عبده على ترك المأمور به والإتيان بالآخر فضلا [عن] أن يكلّف بالمرجوح كذلك ، بل العاقل يختار الراجح في التكوينيّات ، والمولى الحكيم يكلّف بالجامع ـ إن كان ـ أو أحدهما ـ إن لم يكن ـ في صورة تساوي الأمرين ، وبالراجح في صورة عدم التساوي في التشريعيّات.
وأمّا في غير التشريعيّات وعدم وجود المرجّح فمن الواضح عدم القبح أصلا ، ضرورة أنّ العطشان الّذي عنده كوزان متساويان في إيفاء المصلحة بلا تفاوت بينهما لا يتأمّل ولا يملك نفسه عن الشرب حتى يموت نظرا إلى أنّ ترجيح أحد المتساويين قبيح ، بل يختار أحدهما ويشرب من أحدهما قطعا ، وهذا واضح جدّاً.
ومن هنا يعلم أنّ ما قاله رئيس المشكّكين ـ من أنّ المصلحة الإلهية اقتضت وجود الحركة في الأجرام السماوية ، لكن الترجيح بلا مرجّح (١) كان قبيحا ، فما وجه حركة الشمس مثلا وسيرها من
__________________
(١) أقول : قد يتوهّم استحالة الترجيح بلا مرجّح نظرا إلى أنّ الترجيح يستلزم الترجّح استلزام الكسر للانكسار ، فلا يمكن الترجيح بلا مرجّح ، لاستلزامه الترجّح بلا مرجّح ، وفي مثال الكوزين يوجد المرجّح ولكنه لخفائه يختفي على الأغلب ، فالعطشان إنّما يرجّح أحد الكوزين المتساويين من جهة كونه أقرب إليه أو إلى يده اليمنى ، أو لأنّه الّذي جاء بمدّ نظره أوّلا ، ووقع عليه توجّهه في بادئ النّظر ، وغير ذلك من المرجّحات الخفيّة.
وفساده أظهر من أن يخفى حيث إنّ الترجيح وإن كان مستلزما للترجّح لا محالة إلّا أنّ هذا الاستلزام لا يتولّد منه استلزام آخر ، وهو أنّه إن كان الترجيح ـ