الشك فيه (انه لا مجال) للاستصحاب في نفس النبوة إذا كانت ناشئة من كمال النّفس بمثابة يوحى إليها (إما لعدم الشك) في بقائها لكونها مما لا تزول بعد اتصاف النّفس بها (أو لعدم كونها) مجعولة شرعاً بل من الصفات الخارجية التكوينية كالجود والشجاعة والجبن ونحوها ولا أثر شرعي مهم يترتب عليها إلا إذا فرض ترتبه بنذر وشبهه مما يتفق أحياناً وقد عرفت قبلا اعتبار كون المستصحب أمراً مجعولا أو ذا أثر مجعول (وفيه ما لا يخفى) فإن النبوة.
(أولا) ليست هي ناشئة من مجرد كمال النّفس بمثابة يوحى إليها بل النبوة كما ستأتي الإشارة إليها بقوله نعم لو كانت النبوة من المناصب المجعولة ... إلخ هي منصب إلهي يجعلها الله تبارك وتعالى لمن يشاء من عباده قال الله تعالى الله أعلم حيث يجعل رسالته فلو فرض ان النّفس قد بلغت هي أقصى مرتبة الكمال ولم يعطها الله جل وعلا ذلك المنصب العظيم فلا يكاد يوحى إليها ولا يكاد تكون نبياً أصلا.
(وثانياً) ان النبوة على تقدير كونها ناشئة من كمال النّفس بمثابة يوحى إليها هي مما يقبل الزوال والسقوط قطعاً ويقع الشك في بقائها قهرا كما اعترف به أخيراً وأشار إليه بقوله ولو فرض الشك في بقائها باحتمال انحطاط النّفس عن تلك المرتبة إلى آخره (وأما عدم كونها مجعولة) حينئذ فهو وان كان حقا وهكذا عدم ترتب أثر شرعي مهم عليها ولكنها مما يترتب عليها أثر عقلي من وجوب الانقياد لمن اتصف بها والتسليم له والاعتقاد به وعقد القلب على نبوته بل ووجوب العمل على طبق ما جاء به من التكاليف الشرعية وهو كاف في صحة استصحابها بعد ما عرفت مراراً من عدم الدليل على اعتبار كون المستصحب أثراً شرعياً أو موضوعاً ذا أثر شرعي سوى حكم العقل بأنه لو لا ذلك لزم اللغوية (ومن المعلوم) انه تندفع اللغوية بترتب ذلك الأثر العقلي المهم بل الآثار العقلية المهمة كما لا يخفى.