وله أن يفعل وأن لا يفعل ، ومع ذلك حياته وقدرته واختياره كلها متحققة بافاضة الباري تعالى ، بحيث لو لم يفض إليه واحدا منها لزم منه عدم صدور الفعل وعدم تحققه.
والمثال العرفي ـ الذي يوضح ذلك ـ انه : إذا فرضنا أن العبد لا يتمكن من تحريك اليد الا مع ايصال القوة الكهربائية ، فأوصل المولى القوة إليها آنا فآنا ، فذهب العبد باختياره إلى قتل نفس والمولى يعلم بذلك ، فالفعل بما أنه صادر من العبد باختياره فهو اختياري له ، وبما أن المولى يعطى القوة للعبد آنا فآنا فالفعل مستند إليه ، وكل من الاسنادين حقيقي بلا تكلف وعناية.
وهذا واقع" الامر بين الامرين" الذي تطابقت عليه الروايات الواردة عن المعصومين (ع).
وقد صرح بذلك المحقق النائيني (ره) (١).
وإليه يرجع ما أفاده المحقق الأصفهاني (ره) قال : ان العلة الفاعلية ذات المباشر بارادته وهي العلة القريبة ووجوده وقدرته علمه وارادته لها دخل في فاعلية الفاعل ، ومعطى هذه الأمور هو الواجب تعالى ، فهو الفاعل البعيد. فمن قصر النظر على الأول حكم بالتفويض ، ومن قصر النظر على الثاني حكم بالجبر ، والناقد البصير ينبغى أن يكون ذا عينين (٢) انتهى.
__________________
(١) أجود التقريرات ج ١ ص ٩٣.
(٢) بحوث في الأصول ج ٢ ص ٥٣ (فائدة : لا جبر ولا تفويض بل أمر بين امرين) ، وفي نهاية الدراية ج ١ ص ٢٠٥ (تنبيه وتنزيه)