نعم ، لا ننكر أن العوامل الخارجية والداخلية ربما تبلغ من الشدة إلى حد تغفل الحقيقة الإنية عن نفسها ، مثلا : لو استمعت صوتا حسنا وغفلت عن نفسها ، وفي مثل ذلك لا محالة يصدر الفعل لكنه فعل غير اختياري وخارج عن تحت القدرة.
وبالجملة : لا ريب في أن مجرد الشوق لا يوجب تحرك العضلات لما يرى بالوجدان أنه ربما يشتاق الإنسان إلى شيء ولا يتحقق المشتاق إليه الا بعد أعمال القدرة وحملة النفس. مثلا : لو وقف الإنسان على قنطرة وكان في أحد طرفيها بساتين فيها رياحين واشتاق إلى الذهاب إليها كمال الاشتياق وكان في الطرف الآخر النار مشتعلة لودنا منها لاحترق وكره الذهاب إليها كمال الكراهة ، ومع ذلك لا يتحقق ما تعلق شوقه به ، بل يرى نفسه بعد ذلك قادرا على الذهاب إلى كلا الطرفين.
فمن هذا يستكشف أن الشوق لا يكون علة للفعل ، بل بينهما واسطة ، وهو أعمال القدرة ، حيث أن زمام البدن بيد النفس تقلبه حيث ما شاءت ، فبعد تحقق الشوق لها أن تعمل قدرتها في الفعل فيفعل ، وهذا معنى ما يقال" شئت ففعلت" ، ولها أن لا تعمل فلا يتحقق الفعل.
وهذا الاعمال الذي يكون فعل النفس ، يعبر عنه بالمشيئة والاختيار ، وحملة النفس والارادة والفعل يصدر عنه لا عن الشوق.