الثانية : ان كل ممكن بما أن الوجود والعدم بالاضافة إليه على حد سواء لا يعقل وجوده بنفسه ، فلا محالة يحتاج إلى الموجد ليخرج به عن حد الاستواء ، وغير الأفعال الاختيارية من الموجودات يحتاج إلى العلة التامة ، وأما الأفعال الاختيارية فلا يتوقف صدورها عليها ، بحيث يكون الموجد لها لا يكاد ينفك عنها كما عرفت. وبعبارة أخرى : دعوى احتياج الأفعال الاختيارية إلى شيء يستحيل انفكاكها عنه ، من الاشتباهات الناشئة عن التعبير باحتياج الممكن في وجوده إلى العلة.
وبهذا البيان يندفع ما يقال : كيف يلتزم بوجود الصانع القديم وحدوث الممكنات ، ولو كان الله تعالى علة لما أمكن التخلف ولزم القدم في جميع الممكنات.
إذا عرفت هاتين المقدمتين :
فاعلم : ان أعمال القدرة والاختيار انما يكون فعلا قائما بالنفس ، وهي موجدة له بنفسها ويكون هو اختياريا بلا احتياج إلى العلة التامة.
والنفس ليست علة تامة له حتى يستحيل انفكاكه عنها فيعود المحذور ، بل النفس موجدة له ، فتارة يوجد الداعي لها فتوجده ، وأخرى لا ينقدح لها الداعي فلا توجده ، فالفعل الخارجي اختياري للنفس بوساطة اختيارية فعل النفس لا بنفسه ، لانه ليس من أفعالها ولكن لسلطنة النفس على البدن وكون العضلات منقارة للنفس في حركاتها وليس لها مزاحم في سلطانها يكون الفعل الخارجي اختياريا للنفس.
ومعنى كونه اختياريا لها صدوره مسبوقا بالاختيار.