اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ)(١) فكل ما يصدق عليه اسم شيء ـ ومن ذلك الأفعال الاختيارية ـ فهو مخلوق لله تعالى منسوب إليه.
أقول : انه كما لا تنافى بين تأثير العلل والاسباب الطبيعية في المعلولات والمسببات نظير تأثير النار في الحرارة وما شاكل ، وبين مبدئيته تعالى بعد كون زمام أمر العلل والاسباب بيده سبحانه ، ولذلك قد يسند القرآن الأفعال الطبيعية إلى فواعلها ، وقد يسند الجميع إلى الله سبحانه. كذلك لا تنافى بين كون الفعل الاختياري منسوبا إلى الإنسان وبين استناده إلى الله تعالى بعد كون أصل وجوده وحياته وقدرته حدوثا وبقاءً بافاضة من الله.
ولذلك نرى أنه قد جمع في كثير من الآيات بين الاثباتين جميعا ، فنسب الفعل إلى فاعله وإلى الله سبحانه ، كقوله تعالى : (وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ)(٢) ، فنسب أعمال الناس إليهم ونسب خلق أنفسهم وأعمالهم إليه تعالى ، وقوله عزوجل (وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاء حَسَناً إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)(٣) فنسب الرمي إلى رسول الله ونفاه عنه ونسبه إليه تعالى.
مع أن الآيات المشار إليها انما هي في غير الأفعال الاختيارية ، بل فيما يجعل شريكا لله تعالى من الجن والشمس والقمر وما شاكل ذلك وتدل على أنها
__________________
(١) الآية ٥٤ من سورة الأعراف.
(٢) الآية ٩٦ من سورة الصافات.
(٣) الآية ١٧ من سورة الأنفال.