بصدور الفعل عن الاختيار. ولو التزمنا بالجبر ولزوم صدور الفعل لزم انقلاب علمه جهلا ، إذ المعلوم كون الفعل صادرا عن الاختيار ، والواقع صدوره جبرا.
الثاني أن علمه تعالى ليس علّة للفعل ، كما أن علمنا بأنا سنفعل كذا لا يكون هذا العلم علة لذلك الفعل ، فان حقيقة العلم هو انكشاف الواقع على ما هو عليه ولا ربط لذلك بصدور ذلك الفعل ليكون علة له.
وأيضا فلو كان علمه علّة لم يكن هناك حاجة إلى الإرادة ، وقد قال الله تعالى : (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ)(١) وفي غير ذلك من الآيات والروايات جعلت الإرادة غير العلم ، وقد تقدمت.
وقد عرفت أن تفسير جماعة إرادته تعالى بعلمه غلط واشتباه مناف للاخبار والآيات.
فإن قيل : ما معنى تصريح كثير من الفلاسفة بأن علمه تعالى فعلى لا انفعالي ، بعد كون ظاهره أن علمه ليس تابعا للمعلوم بل المعلوم تابع له؟
قلنا : ان مرادهم بذلك أن العلم :
تارة يطلق ويراد منه نفس الاضافة المتأخرة عن وجود الطرفين التي هي المضاف الحقيقي.
وأخرى يطلق ويراد منه مبدأ تلك الاضافة. والعلم بالمعنى الأول ليس من
__________________
(١) الآية ٨٢ من سورة يس.