الآية الكريمة المتقدمة (يَمْحُو اللهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ) (١) ، لان محو الشيء هو اذهاب رسمه وأثره ، وقد قوبل في الآية الشريفة بالاثبات وهو اقرار الشيء في مستقره بحيث لا يضطرب ، فالمحو هو ازالة الشيء بعد ثبوته برسمه.
وحيث أنه ذكر الآية بعد قوله تعالى" لكل أجل كتاب" وذكر في ذيلها" وعنده أم الكتاب" ، فالظاهر منها أن لكل وقت كتابا يخصه ، فتخلف الكتب باختلاف الاوقات.
وان هذا الاختلاف ظهر من ناحية اختلاف التصرف الالهي بمشيئته حسب ما تقتضيه المصالح لا من جهة اختلافها في انفسها ، ومع ذلك فعند الله أم الكتاب أي الاصل الذي ينشأ منه الشيء ويرجع إليه هذه الكتب التي تمحى وتثبت بحسب الاوقات.
وبعبارة أوضح : ان لله سبحانه في كل وقت كتابا وقضاءً ، وانه يمحو ما يشاء من تلك الاقضية ويثبت ما يشاء ، ومع ذلك عنده بالنسبة إلى كل وقت قضاء محتوم لا يتغير ، وهو الاصل الذي يرجع إليه سائر الاقضية.
وبهذا البيان يظهر أن ما قيل في تفسير الآية الشريفة من الوجوه والاقوال كلها في غير محلها ، ولتمام الكلام محل آخر.
الثاني : ان البداء بالمعنى الذي يقول به الامامية هو الابداء والاظهار حقيقة ،
__________________
(١) الآية ٣٩ من سورة الرعد.