ثانيها : (المسميات الإيمانية والتربوية للقسم) :
جعل الله من مقتضى الإيمان الكامل عدم جعل اسم الله عرضة للقسم ، فقال تعالى :
(وَلا تَجْعَلُوا اللهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (٢٨) ، والجعل متعلق بالاسم لا بالذات كما نصّ عليه الطاهر بن عاشور.
والعرضة : على وزن الفعلة وزن دالّ على المفعول. وهو مشتق من عرضه إذا وضعه على العرض أى الجانب. والمقصود جعل الشيء حاجزا. فالعرضة تطلق على المعنيين ، ويمكن حمل الآية على المعنيين. والمعنى الثانى شاع حتى ساوى الحقيقة. واللام فى (لأيمانكم) لتعدية الفعل. أى تحلفوا بالله على الامتناع عن التقوى والبر والإصلاح. وسمّى الحلف يمينا ؛ لأن العرب كانت من عادتهم أن يمسك المتحالفان كل واحد منهما يمين الآخر.
ثم اختصروا فقالوا : صدرت منه يمين أو حلف يمينا ، فهى من تسمية الشيء بما يقارنه ويلازمه ، فلما كان أغلب حلفهم معاهدة بحيث يضع المتعاهدون أيديهم بعضا على بعض ، فشاع إطلاق اليمين على الحلف. وهو يرجع إلى إشهاد الله على صدق الحالف.
ومعنى الآية ـ لو كانت العرضة بمعنى الحائل ـ أى لا تجعلوا اسم الله حائلا معنويا بينكم وبين فعل البر والتقوى والإصلاح. كما وقع من أبى بكر عند ما أقسم ألّا ينال مسطحا بخير بعد أن خاض فى الإفك. وأما على تقدير أن تكون العرضة بمعنى الشيء المعرّض ، فالمعنى : لا تجعلوا اسم الله معرضا لأن تحلفوا به فى الامتناع عن البر والتقوى والإصلاح.
وقدّرت (لا) بعد (أن) فصار المعنى أن لا تبروا كما فى قوله تعالى : (يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا) (٢٩) لأن تعظيم الله يجب أن لا يكون سببا فى قطع ما أمر به ونهى عن عدم البر والتقوى والإصلاح. وهذا النهى يستلزم أن الحلف لو وقع على ترك البر فلا حرج من تركه. وعليه يكون قوله : (أَنْ تَبَرُّوا) مفعولا لأجله فهو علة النهى أى إنما نهيتكم لتكونوا أتقياء أبرارا مصلحين. فعلى التقدير الأول يكون هناك عذر فى الحنث ، وعلى التقدير الثانى يكون هناك تحذير من الحلف. ومن تمام ما يتعلق بالآية السابقة من آداب سامية فى الحلف معالجة المشقة التى تقع على الذين جرت الأيمان على ألسنتهم ، فما حكم أيمانه؟ ويظهر الحاجة إلى فهم قوله تعالى (لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ