وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلى ما كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتاهُمْ نَصْرُنا وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِ اللهِ وَلَقَدْ جاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ) الأنعام / ٣٣ ، ٣٤.
فهذه الآيات ـ كما تقدم ـ تصرح بأسباب نزول هذه القصص التى تتعلق بالوقائع الماضية ، وليست تلك الوقائع فى ذاتها سببا لنزول هذه الآيات ، قال السيوطى رحمهالله تعالى : «والذى يتحرر فى سبب النزول : أنه ما نزلت الآية أيام وقوعه ، ليخرج ما ذكره الواحدى فى تفسيره فى سورة الفيل من أن سببها قصة قدوم الحبشة به ، فإن ذلك ليس من أسباب النزول فى شىء ، بل هو من باب الإخبار عن الوقائع الماضية كذكر قصة قوم نوح وعاد وثمود وبناء البيت ونحو ذلك ، وكذلك فى قوله : (وَاتَّخَذَ اللهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلاً) النساء / ١٢٥ ـ سبب اتخاذه خليلا ، فليس ذلك من أسباب نزول القرآن كما لا يخفى» (٣).
كما أنه لا يعد من قبيل سبب النزول ما اشتملت عليه بعض آيات القرآن من الأمور المستقبلة كأحوال اليوم الآخر ، وما يكون فيه من ثواب أو عقاب (٤) نحو ما جاء فى قول الله سبحانه : (وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنْزِيلاً (٢٥) الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمنِ وَكانَ يَوْماً عَلَى الْكافِرِينَ عَسِيراً (٢٦) وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ يَقُولُ يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً (٢٧) يا وَيْلَتى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً (٢٨) لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جاءَنِي وَكانَ الشَّيْطانُ لِلْإِنْسانِ خَذُولاً) الفرقان / ٢٥ ـ ٢٩.
من أجل هذا كان النص فى التعريف على معاصرة السبب لما نزل فى شأنه من الآيات ، والذى عبر عنه بأنه : «ما نزلت الآية أو الآيات فى شأنه أيام وقوعه» قيدا يحترز به عن مثل هذه الآيات التى وردت فيما سبق.
الأمر الثانى : مجىء سبب النزول فى إحدى صورتين :
الصورة الأولى : مجيئه فى صورة حادثة تحدث فينزل القرآن ببيان الحكم ، ومن هذا القبيل ما ورد فى سبب نزول قول الله تعالى :
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلى طَعامٍ غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ وَلكِنْ إِذا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ) الآية ـ الأحزاب / ٥٣.
فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : «بنى رسول