فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٣٥) فَلَمَّا وَضَعَتْها قالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى وَاللهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى وَإِنِّي سَمَّيْتُها مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُها بِكَ وَذُرِّيَّتَها مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ) (٧).
فجملة (وَاللهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ) من كلام الله الخالص لا من كلامه المحكى عن امرأة عمران. وهى جملة اعتراضية ، وسرها البلاغى الذى جىء بها من أجله دفع توهم غير المراد ، حتى لا يقع فى فهم أحد أن قول امرأت عمران :
(رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى) إخبار منها لله بأمر هو لا يعلمه ـ حاش لله ـ بل إنها تعتذر إلى الله وتتحسر على عدم استطاعتها الوفاء بنذرها ؛ لأنها نذرت أن تهب ما فى بطنها لخدمة بيت المقدس والذى يصلح لتأدية هذه الخدمة الذكور دون الإناث.
وقوله عزوجل :
(إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ) (٨).
أصل الكلام هنا : (إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ ... وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ) ولو لم تأت الجملة الاعتراضية بين (نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ) وبين (وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ) لتوهم متوهم ، أو لادّعى متزندق أن الله ـ سبحانه كذّب قول المنافقين أن محمدا صلىاللهعليهوسلم رسول الله. وأن فى هذا نفى أن يكون محمد صلىاللهعليهوسلم رسولا من عند الله.
ولدفع ذلك التوهم ، وقطع طرق ادعاء المتزندقين جىء بهذه الجملة الاعتراضية (وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ) وقد تحول بها قول الله تعالى :
(وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ) إلى فضح هؤلاء المنافقين ، وأنهم يقولون بألسنتهم ما لم تعتقده قلوبهم.
أى هم كاذبون فى شهادتهم ، لا من حيث أن محمدا صلىاللهعليهوسلم ليس رسولا من عند الله ـ ولكن من حيث أنهم لا يؤمنون بهذه الرسالة ، التى أثبتها الله لمحمد بأقطع البراهين (٩).
وقوله تعالى : (وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَناتِ