بعدها ، وهى من جهة ثانية تحدد نهايات الآيات وبداياتها وتميز بين الآيات ؛ لأن من سنن تلاوة القرآن وأدائه الأمثل ، هو الوقوف عند رأس كل آية إلا فى مواضع قليلة فى القرآن الكريم ، فيحسن وصل الآية بما بعدها. وهى من جهة ثالثة تمكن قارئ القرآن الكريم من حسن الأداء ، وتتيح للسامع فرصة حسن المتابعة لما يتلى مع تذوق المعانى وتدبرها.
ومن جهة رابعة تؤدى الفواصل القرآنية دورا عظيم الشأن فى انسجام الإيقاع الصوتى مما أضفى على القرآن خاصية فريدة فى نوعها ، وهى انفراده بإيقاع صوتى شجى يستولى على القلوب ، ويستقطب العقول ، ويأسر الأسماع بحلاوة وعذوبة وقعه.
ومن أجل هذا اختصت كلمات الفواصل القرآنية بالأمور الآتية :
* ختمها ـ فى الغالب ـ بحروف المد واللين ، وإلحاق الميم والنون بها ، ووظيفته التمكن من التطريب ، قال سيبويه :
«إنهم ـ أى العرب ـ يلحقون الألف والياء والنون يريدون مد الصوت ، ويتركون ذلك إذا لم يترنموا» (٧). وهذا الجمال الإيقاعى فى القرآن لا يخفى على أحد (٨).
إن الحروف التى تقع بها الفواصل إما متماثلة وإما متقاربة ، ولا تخرج الفواصل عن هذين النوعين فمثال التماثل قوله تعالى :
(إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ (١) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (٢) إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (٣)).
ومثال التقارب قوله تعالى :
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (١) الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (٢) الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (٣) مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (٤) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (٥) اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ (٦) صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (٧)).
فالتماثل فى الكوثر وقع بحرف «الراء» والتقارب فى «الفاتحة» وقع بين النون والميم.
* إنها تتقدم عليها ألفاظ ، تمهد لها ، وتعظم من وقعها فى السمع. وتلك الألفاظ سماها الأقدمون رد الأعجاز على الصدور ، وسماها المحدثون ب «التصدير».
* التكرار فى بعض الفواصل ، كما فى سور : الرحمن ، القمر ، والمرسلات. لكن هذا التكرار ليس مقصورا على هذه الوظيفة الصوتية ، بل هو لها ولخدمة المعانى المرادة من الفواصل وما يتقدمها. وللعلماء نظر خاص فى بناء الفواصل ، نتج عنه تقسيم الفواصل عدة أقسام ، نذكر منها :