الأولى يعنى : «ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ـ فعل الشحيح فى منعه بمن يده مغلولة لعنقه ، بحيث لا يقدر على مدها ، وفى الثانية شبه السرف ببسط اليد ، بحيث لا تحفظ شيئا» (٩).
يعنى أن غل اليد إلى العنق صورة حسية شبه بها صورة البخيل الحريص على المنع والاحتفاظ بماله.
وأن صورة بسط اليد وهى حسية كذلك شبه بها صورة المسرف الشديد الإسراف فى بذل ماله ، بحيث جعله مباحا لكل من أراد أخذه بلا أية ضوابط. فالتشبيه فيهما وقع بين صورتين مركبتين ، لا بين مفرد ومفرد.
والجامع بين الطرفين هيئة أو صورة مركبة من عنصرين فأكثر.
ومن الاستعارة التمثيلية فى القرآن الكريم قوله تعالى : (وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ) (١٠).
ففي الآية استعارتان تمثيليتان ، لأن المعنى أن مثل الأرض يوم القيامة لتصرف الله الكامل فيها ومثل السموات بهيمنة الله على كل ما فيها ، مثل الشيء يكون فى يد الآخذ به المتصرف فيه (١١).
والاستعارة التمثيلية ، لا توصف بأنها أصلية أو تبعية لاعتبارين :
الأول : أن ألفاظها المركبة منها كثيرا ما تجمع بين الأسماء الجامدة والأفعال والصفات ، كما فى (لا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ).
ففيها أسماء أجناس مثل : يد ـ عنق.
وفيها أفعال وصفات مشتقة وحروف ، مثل تجعل ، تبسط ، إلى ،. وقد تقدم أن الاستعارة التصريحية الأصلية هى ما جرت فى أسماء الأجناس الجامدة ، وأسماء المعانى.
وأن التصريحية التبعية هى ما جرت فى الأفعال والصفات المشتقة والحروف.
لذلك فإن الاستعارة التمثيلية لا يقال إنها أصلية أو تبعية. ولكن تصريحية تمثيلية فقط.
الاعتبار الثانى : أن الاستعارة التمثيلية كل الألفاظ التى ركبت منها تظل على معانيها الحقيقية لا يدخلها مجاز. وإنما المجاز يقتصر فيها على مجموع كلماتها ، حيث تنقل صورتها من الحقيقة إلى المجاز.
أ. د. عبد العظيم إبراهيم المطعنى
الهوامش :
__________________
(١) الإيضاح (٥ / ١٠٨).
(٢) معترك الأقران (١ / ٢٨٣).
(٣) أنوار الربيع (١ / ٢٥١).
(٤) نقد الشعر (١٨١).
(٥) شروح التلخيص (٤ / ١٤٧).
(٦) دلائل الإعجاز (٤٣٠).
(٧) الإسراء (٢٩).
(٨) الكشاف (٢ / ٤٤٧).
(٩) حاشية الشهاب على البيضاوى (٦ / ٢٧).
(١٠) الزمر (٦٧).
(١١) معجم المصطلحات البلاغية.