«قد يضمر التشبيه فى النفس ، فلا يصرح بشيء من أركانه سوى لفظ المشبه ، ويدل عليه ـ أى على المشبه به ـ بأن يثبت للمشبه أمر مختص بالمشبه به ، من غير أن يكون هناك أمر ثابت حسا أو عقلا أجرى عليه اسم ذلك الأمر فيسمى التشبيه استعارة بالكناية ، أو مكنيا عنها وإثبات ذلك الأمر للمشبه استعارة تخييلية» (٤).
فالاستعارة المكنية إنما هى تشبيه حذف منه ثلاثة أركان : وجه الشبه ، وأداة التشبيه ، والمشبه به ، مع إبقاء ما يدل عليه فى الكلام.
حيث يثبت للمشبه بعض لوازم المشبه به الخاصة به.
أما قرينة الاستعارة المكنية فهى لفظية دائما لأنها تكمن فى إثبات أحد خواص المشبه به للمشبه ، وهذا ما سماه الخطيب والبلاغيون بالاستعارة التخييلية. وللاستعارة المكنية ورود كثير فى الشعر العربى القديم والوسيط والحديث ، وكذلك فى القرآن الكريم ، وهو الذى نقصر عليه حديثنا فى هذه المباحث.
ومنها فى القرآن الكريم قوله تعالى :
(وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ) ـ وفى توجيهه بلاغيا يقول الإمام الزمخشرى :
«أن تجعل للذل جناحا خفيضا كما جعل لبيد للشمال يدا وللقرة زماما» (٥).
وهذا معناه أن فى التركيب استعارة مكنية كما فى بيت لبيد
وغداة ريح قد كشفت وقرة |
|
إذ أصبحت بيد الشمال زمامها |
فقد أجمع البيانيون أن فى بيت لبيد هذا استعارتين مكنيتين ، إحداهما فى يد الشمال.
والثانية فى زمام القرة وهى الريح الباردة (٦).
وفى الآية شبه الذل بطائر ، تم حذف المشبه به وهو الطائر ، وأثبت للمشبه (الذل) الجناح ، وهو من لوازم المشبه به (الطائر) لا المشبه (الذل) وهذا الإثبات يؤدى مهمتين.
الأولى : الدلالة على المشبه به المحذوف.
الثانية : منع أن يكون المراد هو المعنى الحقيقى الوضعى لأن هذا الإثبات ـ كما تقدم ـ هو قرينة الاستعارة المكنية.
وبلاغة هذه الاستعارة هى إخراج المعنوى ، وهو البر بالوالدين ، فى صورة الحسى. اعتناء بشأنه ، وإظهارا له ومنها قوله تعالى :
(وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ)
شبه الغضب بذى عقل وإرادة وثورة ، ثم حذف المشبه به (ذا الإرادة العاقل الثائر) ورمز إليه بشيء من لوازمه الخاصة به ، وهو