قرارها. مطمئنة فى مكانها غير قلقة ولا مستكرهة.
(ر) الانسجام : وهو تحدر الكلام بسهولة وعذوبة سبك.
(ش) الإبداع : وهو فى مجموع الآية.
هذا خلاصة ما ذكره ابن أبى الأصبع فى بديع هذه الآية. ولنا عليها ملاحظة مهمة.
ذلك أنه وصف الآية بالمساواة وجعل المساواة فنا من فنون البديع كما جعل الاستعارة كذلك. ثم عاد ووصف الآية بالإيجاز ، والإيجاز والمساواة ضدان لا يجتمعان ، فإما أن يكون الكلام مساويا أو غير مساو بأن يكون موجزا أو مطنبا ، أما أن يوصف كلام واحد بعينه بأنه مساو ، وموجز مرة أخرى فهذا شىء غير مفهوم على الإطلاق ، ونحن ـ إذا جاريناه على أن الإيجاز من فنون البديع ـ فإن الآية موصوفة به لا بالمساواة إذ هى قد اشتملت على نوعى الإيجاز :
ففيها إيجاز الحذف. ويكفى فى تصور ذلك أن فى الآية قد بنى الفعل للمفعول فى عدة مواضع : «قيل يا أرض» و «غيض» و «قضى الأمر» و «قيل بعدا».
كما طوى ذكر السفينة وأضمر فاعل الفعل «استوت» ، وحذف معمول «أقلعى» ... وهذا موسوم بإيجاز الحذف.
وفيها إيجاز قصر .. لأن بعض ألفاظها قد حوى كثيرا من المعانى مثل : «غيض الماء» و «قضى الأمر».
وبهذا يظهر خلط ابن أبى الأصبع فى عد الآية من باب المساواة مرة والإيجاز مرة أخرى.
وكيف ساغ له ذلك وهو البلاغى الضليع والناقد الأديب؟ لا أرى سببا وراء ذلك إلا ولوعه بألوان البديع وكثرة محصوله منها.
(قالَ هِيَ راوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أَهْلِها إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكاذِبِينَ (٢٦) وَإِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ). (يوسف الآيتان ٢٦ ـ ٢٧).
المعنى الإجمالى لهاتين الآيتين :
تكذيب يوسف عليهالسلام لدعوى امرأة العزيز ، ثم تأييده فيما قال بشهادة شاهد من أهلها لفت نظر العزيز إلى قرائن الأحوال التى منها : علم العزيز صدق يوسف عليهالسلام وكذب امرأته على يوسف.
والناظر فيهما لا يجد تكلفا فى العبارات.
ولا نقصا فى المعنى ، ومع هذا فقد جاءت فيها فنون شتى من البديع لم تخرج عن سمات البلاغة الأصلية ، والبيان الآسر.
وتلك الفنون هى :