«فانظر إلى غرابة هذا التمثيل الذى تضمن الإفراط فى المبالغة مع كونها جارية على الحق خارجة مخرج الصدق وذلك حين اقتصر سبحانه على ذكر أضعف المخلوقات ، وأقلها سلبا لما تسلبه ، وتعجيز كلّ من دونه ـ سبحانه ـ كائنا من كان عن خلق مثله مع التضافر والاجتماع ، ثم نزل فى التمثيل عن رتبة الخلق إلى استنقاذ النزر التّفه الذى يسلبه هذا الخلق الضعيف على ضعفه ، فتنقّل فى النزول فى التمثيل على ما تقتضيه البلاغة على هذا الترتيب فى البيان ، فنزل بهم إلى استنقاذ ما يسلبه هذا المخلوق الضعيف ، ليريهم عجزهم فتستيقنه نفوسهم وإن لم تقر به ألسنتهم ، فجاء بما يقضى الظاهر أنه أيسر الخلق وهو فى الحقيقة مثله فى العسر ، ولم يسمع مثل هذا التمثيل فى بابه لأحد قبل نزول القرآن العزيز» (٥٩).
فهذا التحليل رصين فى موضوعه ، قلق فى صياغته إذا قورنت بصياغة الشريف الرضى وعبد القاهر ، ولكنه يسير فى طريقهما فحسب وليته واصل المسير.
ولا ننكر ما امتلأت به كتب المتأخرين مثل الزركشى والسيوطى والبقاعى من أحاديث متناثرة عن الإعجاز القرآنى ؛ بل إن السيوطى ألف كتابا مستقلا عن الإعجاز ولكنه ترديد لما يقال ونسج على منوال مشتهر لم يضف جديدا. حتى ليجوز لنا أن نقول : إن العصر المملوكى والعصر العثمانى لم يأت من علمائهما من حاول اللحاق بالسابقين طرافة ومنهجا واستشفافا حتى جاء العصر الحديث ، فنفح القراء بما يروق ويفيد ، وما كتبه الأندلسيون فى تفسير الكتاب ، مثل ابن عطية وابن العربى ، جيد فى بابه ، ولكنه لا يضيف الجديد.
أ. د / محمد رجب البيومى