الهواء بجناحين ساكنين إلى أبعد المسافات ، وكأن قوى خفية تشدها وتحركها كيف تشاء.
وهذه الطيور المتخصصة فى هذا النوع من الطيران تستطيع أيضا أن ترفع جناحيها أو تخفضهما أو تدفعهما إلى أمام أو خلف ، أو أن تقلل من مساحتهما بقبضهما قبضا يسيرا ، أو أن تديرهما من مفصل الكتف ليقابلا الهواء بزوايا مختلفة تؤثر فى سرعتها ، أو تلوى أجزاء منها ، وما إلى ذلك ، وهى فى أثناء هذا كله تحرك ذيلها بالصورة المناسبة. وتتميز الطيور الصافات باختصار حجم عضلات صدرها التى تحرك جناحيها لقلة الحاجة إلى استخدامها ، مع قوة الأوتار والأربطة المتصلة بالجناحين حتى تستطيع بسطها فترات طويلة دون جهد عضلى كبير.
ولقد علمت هذه الطيور قدر خالقها ، وصدق فيها قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللهُ عَلِيمٌ بِما يَفْعَلُونَ) (٤٣).
٩ ـ فى الآفاق وفى الأنفس :
إن مادة الكون هى كل ما خلق الله ـ سبحانه وتعالى ـ فى عالم الشهادة ، أى العالم الذى نحسه بحواسنا أو ندركه بما يقوم مقام الحواس ويعزز وظائفها من أجهزة وأدوات ، مثل المجاهر (الميكروسكوبات) التى تيسر رؤية الأجسام الدقيقة ، والمقاريب (التلسكوبات) التى تمكن الراصد من رؤية الأجسام البعيدة ، أو غير ذلك مما لم يتمكن الإنسان بعد من إدراكه والتعرف عليه فى هذا الكون الفسيح الذى لا يعلم مداه إلا الله وحده.
ويمثل الضوء نعمة النور الذى تبصر به العين بإذن ربها ، فترى العديد من الآيات البينات فى الآفاق وفى الأنفس ، التى تذكّر الإنسان بما يحتوى عليه الكون من العجائب والمعجزات وتنير له طريق الهداية والصواب.
والطريقة التى تؤدى بها العين وظيفتها فى الإبصار كانت مجهولة حتى عصر الإسلام ، فقد كان الاعتقاد السائد عند الفلاسفة القدماء هو أن إبصار الموجودات يتم بخروج النور من عين الإنسان فيحيط بالأشياء ويتم إدراكها بالرؤية المباشرة ، أو أن الإبصار يتم بانطباع صور الأشياء من البصر دون أن يرد منها شىء للعين. ومثل هذه الآراء الفلسفية الخاطئة علميا عطلت منهج البحث العلمى السليم وأخّرت ظهور نظرية الإبصار الصحيحة إلى أن جاء عصر الحضارة الإسلامية واستطاع علماؤها الأفذاذ ، بفضل المنهج الإسلامى فى البحث والتفكير ، أن يسلكوا طريقة استقرائية دقيقة لدحض