يذكر الله تعالى قصتهم باختصار فى قوله سبحانه : (أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً (٩) إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقالُوا رَبَّنا آتِنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنا مِنْ أَمْرِنا رَشَداً (١٠) فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً (١١) ثُمَّ بَعَثْناهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى لِما لَبِثُوا أَمَداً) (الكهف : ٩ ـ ١٢).
ثم يفصل قصتهم بعد هذا الإجمال فى أربعة عشرة آية بعد ذلك ، من نفس السورة (الكهف : ١٣ ـ ٢٦).
يقول عنهم الإمام ابن كثير (١٥) : هم : فتية ، ألهمهم الله رشدهم ، وآتاهم تقواهم ، فآمنوا بربهم ، واعترفوا له بالوحدانية ، وشهدوا أنه لا إله إلا هو. ويقول : ذكر غير واحد من المفسرين ـ من السلف والخلف ـ أنهم كانوا من أبناء ملوك الروم وسادتهم ، وأنهم خرجوا يوما فى بعض أعياد قومهم ، وكان لهم مجتمع فى السنة يجتمعون فيه ، فى ظاهر البلد ، وكانوا يعبدون الأصنام والطواغيت ، ويذبحون لها ، وكان لهم ملك جبار عنيد يأمر الناس بذلك ، ويحثهم عليه ويدعوهم إليه ، فلما خرج الناس لمجتمعهم ذلك ، وخرج هؤلاء الفتية مع آبائهم وقومهم ، ونظروا إلى ما يصنع قومهم بعين بصيرتهم ؛ عرفوا أن هذا الذى يصنعه قومهم من السجود لأصنامهم ، والذبح لها لا ينبغى إلا لله الذى خلق السماوات والأرض.
فجعل كل واحد منهم يتخلص من قومه ، وينحاز منهم ، ويتبرز عنهم ناحية. فكان أول من جلس منهم أحدهم ، جلس تحت ظل شجرة ، فجاء الآخر فجلس عنده ، وجاء الآخر فجلس إليهما ، وجاء الآخر فجلس إليهم ، وجاء الآخر ، وجاء الآخر. ولا يعرف واحد منهم الآخر ، وإنما جمعهم هناك ، الذى جمع قلوبهم على الإيمان ، كما جاء فى الحديث :
«الأرواح جنود مجندة ، فما تعارف منها ائتلف ، وما تناكر منها اختلف» (١٦). وجعل كل واحد منهم يكتم ما هو
فيه عن أصحابه ، خوفا منهم ، ولا يدرى أنهم مثله ، حتى قال أحدهم : تعلمون ـ والله يا قوم ـ إنه ما أخرجكم من قومكم ، وأفردكم عنهم ، إلا شىء ، فليظهر كل واحد منكم ما بأمره ، فقال الآخر : أما أنا فإنى والله رأيت ما قومى عليه ، فعرفت أنه باطل ، وإنما الذى يستحق أن يعبد وحده ، ولا يشرك به شىء ؛ هو الله الذى خلق السماوات والأرض وما بينهما.
فقال الآخر : وأنا والله ، وقع لى كذلك. وقال الآخر : كذلك ، حتى توافقوا كلهم على كلمة واحدة. فصاروا يدا واحدة ، وإخوان صدق ، فاتخذوا لهم معبدا ، يعبدون الله فيه.
فعرف بهم قومهم ، فوشوا بأمرهم إلى ملكهم ، فاستحضرهم بين يديه ، فسألهم عن