بقضائه ، وحسن الأدب معه ، واستشعار تقواه فى كل عمل وكل حال. إلى آخر ما يعنى به رجال التصوف الصادقون.
والوصول إلى هذا ليس بالأمر السهل ، بل يحتاج إلى رياضة مستمرة ، ومجاهدة طويلة ، لهذه النفس الأمارة بالسوء ، وتصميم على تزكية النفس بالتخلية والتحلية : التخلية من رذائل الشرك والنفاق والجاهلية ، والتحلية بفضائل التوحيد والإيمان والإسلام والإحسان ، وهذا هو أساس الفلاح فى الأولى والآخرة (وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها (٧) فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها (٨) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها (٩) وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها) (الشمس : ٧ ـ ١٠).
ولا يتم هذا إلا فى مناخ يساعد عليه ، يجد فيه المرء المرشد الموجه إلى الله ، والبيئة النظيفة المعينة على الخير ، كما يجد الأخ الصالح ، الرفيق فى الدرب ، حامل مسك الهدى ، الذى يدل على الله منطقه ، ويذكر بالآخرة حاله ، ويرغب فى الخير سلوكه.
٣ ـ الترابط الأخوى :
والعنصر الثالث من عناصر (التكوين) الأساسية هو : الترابط الأخوى. يقول تعالى :
(الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ) (الزخرف : ٦٧).
ويقول صلىاللهعليهوسلم : «ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان : أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما ، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله ، وأن يكره أن يقذف فى الكفر كما يكره أن يقذف فى النار». متفق عليه عن أنس.
وقوله : «سبعة يظلهم الله فى ظله يوم لا ظل إلا ظله ـ وذكر منهم ـ ورجلان تحابا فى الله ـ عزوجل ـ اجتمعا عليه ، وتفرقا عليه».
متفق عليه عن أبى هريرة.
ويقول صلىاللهعليهوسلم : «إن الله تعالى يقول يوم القيامة : أين المتحابون بجلالى؟ اليوم أظلهم فى ظلى يوم لا ظل إلا ظلى». رواه مسلم عن أبى هريرة.
فإذا كان الناس تربطهم فى هذه الدنيا روابط شتى ، رابطة الدم والنسب ، أو رابطة الطين والأرض ، أو رابطة اللغة واللسان ، أو رابطة المصلحة المشتركة ، أو غير ذلك من الروابط المادية والدنيوية الزائلة ، أو المعرضة دوما للزوال. فإن رابطة الأخوة الإيمانية هى الأخلد والأبقى ، وهى الأعز والأقوى ، لأنها رابطة قامت لله وفى الله ، وما كان لله دام واتصل ، وما كان لغير الله ، انقطع وانفصل.
لقد حث الإسلام المسلمين على العمل الجماعى لنصرة الدعوة الإسلامية ، وتحرير الأرض الإسلامية ، وتوحيد الأمة الإسلامية ، وتحقيق آمالها الكبرى فى النهوض والبناء والترقى ، وأداء دورها الربانى فى هداية العالم إلى نور الله.