كلامه فيوحى إلى رسوله صلىاللهعليهوسلم قوله تعالى :
(وَما كانَ هذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرى مِنْ دُونِ اللهِ وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (٣٧) أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ). (١٣)
ثم يتبع المولى هذه الحجة البالغة بحجة أخرى تخرس الكفار فيما يخرصون وتلجم ألسنتهم عما يكذبون فينزل قوله تعالى :
(وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ). ثم تتم الآية التالية كمال صيغة التحدى بقوله عزوجل :
(فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ) (١٤).
ويجتهد القاضى عياض ـ إمام المغرب ـ فى تعليل إنكار المنكرين بقوله : «فلم يزل يقرعهم النبى صلىاللهعليهوسلم أشد التقريع ويوبخهم غاية التوبيخ ويسفه أحلامهم ويحط أعلامهم وهم فى كل هذا ناكصون عن معارضته محجومون عن مماثلته ، يخادعون أنفسهم بالتكذيب والإغراء والافتراء وقولهم : (إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ) و (سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ) و (إِفْكٌ افْتَراهُ) و (أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) وقد قال تعالى : (فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا) فما فعلوا وما قدروا. ومن تعاطى ذلك من سخفائهم كمسيلمة كشف عواره لجميعهم ، ولما سمع الوليد بن المغيرة ـ وهو من فصحائهم ـ قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ) النحل : ٩٠ قال : والله إن له لحلاوة ، وإن عليه لطلاوة ، وإن أسفله لمغدق ، وإن أعلاه لمثمر ، وما هو بكلام بشر. وذكر أبو عبيدة أن أعرابيا سمع رجلا يقرأ : (فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ) الحجر : ٩٤ فسجد ، وقال : سجدت لفصاحة هذا الكلام ، وكان موضع التأثير فى هذه الجملة هو كلمة «اصدع» فى إبانتها عن الدعوة والجهد بها والشجاعة فيها ، وكلمة «بما تؤمر» فى إيجازها وجمعها. وسمع آخر رجلا يقرأ :
(فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا) (١٥). قال :
«أشهد أن مخلوقا لا يقدر على مثل هذا الكلام» (١٦).
وفى مقام إعجاز القرآن وحقيقة كونه لا يماثله كلام بشر ، وأنه كلام رب العالمين الذى لا يجاريه كلام مخلوق ، الحديث الذى تمثل به الشيخ ابن عاشور فى المقدمة العاشرة :
ما رواه مسلم عن أبى هريرة قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «قال الله تعالى : قسمت الصلاة ـ أى سورة الفاتحة ـ بينى وبين عبدى نصفين ، ولعبدى ما سأل ، فإذا قال العبد : (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) ، قال الله تعالى : حمدنى عبدى. وإذا قال : (الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) ، قال الله تعالى : أثنى علىّ عبدى ، وإذا قال :
(مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) ، قال : مجّدنى عبدى