فيه تطاول على القرآن الكريم ومنزل القرآن الكريم ـ سبحانه وتعالى ـ وذهبت هذه الفرقة من القرآن مذاهب شتى ، وابتدعوا فتنة عذّب بسببها عدد كبير من كبار علماء المسلمين ومات بعضهم فى السجن ، وهذه الفتنة عرفت بفتنة «خلق القرآن» وتبناها ثلاثة من خلفاء بنى العباس وبعض من شايعهم ، ولكن الله لطف بكتابه وبالمؤمنين من عباده ، والمتقين من علماء دينه ، فلم تستمر بفتنة طويلا ، بل إن المذهب نفسه أصابه الانحلال وانفضّ المؤمنون عن المنادين به ، ولم يبق منه إلا القليل فى فكر عدد محدود من علماء المسلمين المعاصرين. فالقرآن إذن هو كلام الله الذى جعله آية على صدق محمد صلىاللهعليهوسلم فى حمل الرسالة الخاتمة التى حمّلها المولى إياه والقيام بتبليغها إلى الخلق كافة.
إن القرآن معجز للبشر كافة إعجازا مستمرا موصولا على مر العصور وكرّ الدهور ؛ ومن جملة ما شمله قول أئمة الدين :
أن القرآن هو المعجزة المستمرة على تعاقب السنين ، لأنه قد يدرك إعجازه العقلاء من غير الأمة العربية بواسطة ترجمة معانيه التشريعية والحكمية والعلمية والأخلاقية. (١٩)
ولقد تحقق ذلك فى زماننا هذا بقدر ملحوظ ، ذلك أن عددا غير قليل ممن قرءوا ترجمات معانى القرآن إلى لغاتهم قد آمنوا بقدسيته وأعلنوا إسلامهم وعملوا فى بلدانهم فى مجال التبشير بالإسلام ، ويشاركوننا فى مؤتمراتنا وندواتنا الإسلامية مشاركة فاعلة ولهم الأجر من الله على دعوة قومهم إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة.
وما أطيب أن نختم هذا الفصل من الحديث عن بعض معالم القرآن الكريم بقول الله ـ منزل القرآن ـ عزوجل : (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ عَمَّا جاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَلكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ). (٢٠)
أ. د. مصطفى الشكعة
الهوامش :
__________________
(١) سورة فصلت الآية ٤٢.
(٢) البقرة الآية ١٤٣.
(٣) سورة الحجر الآية ٩.
(٤) تفسير التحرير والتنوير للشيخ محمد الطاهر بن عاشور ، المقدمة العاشرة صفحة ١٠٢.
(٥) سورة الواقعة الآيات ٧٧ ـ ٨٠.
(٦) سورة الإسراء الآية ٩.
(٧) الإسراء الآية ٨٢.
(٨) سورة الأنعام الآية ٩٢.
(٩) فصلت الآيات ٢ ـ ٤.
(١٠) يوسف الآية ٢.
(١١) الزخرف الآية ٣.
(١٢) سورة هود الآيتان ١٣ ، ١٤.
(١٣) سورة يونس الآيتان ٣٧ ، ٣٨.
(١٤) سورة البقرة الآيتان ٢٣ ، ٢٤.
(١٥) الضمير فى استيأسوا يعود على أخوة يوسف.
(١٦) كتاب الشفا للقاضى عياض صفحة ٥٦.
(١٧) تفسير التحرير والتنوير : المقدمة العاشرة صفحة ١٠٨.
(١٨) المصدر السابق صفحة ١١٤.
(١٩) تفسير الشيخ الطاهر بن عاشور المقدمة العاشرة صفحة ١٠٥.
(٢٠) المائدة الآية ٤٨.