واعترف هذا المنهج بحب الإنسان للحياة وحرصه على البقاء ورغبته في النساء والأولاد والأموال. ولكنه لم يرض بأن يصبح الإنسان عبدا لشهوته وأمواله ، بل ندبه إلى الترفع عن ذلك والاكتفاء بما يصلح حياته وإلى الرغبة في الدار الآخرة.
قال الله تعالى :
(قُلْ أَأُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَأَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوانٌ مِنَ اللهِ وَاللهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ) (٣٠)
وشرع الزواج لحفظ النسل ، والقصاص لحفظ الحياة وحرم القتل بدون حق ، وأباح كسب المال بالطرق المشروعة ، وحرم أكل الأموال بالباطل ، ووضع الأحكام التي تؤدي إلى المحافظة عليها.
ومع تشريع القصاص والدية حث ولي القتيل والمعتدى عليه على العفو عن المعتدي ومسامحته ببعض الحق ، قال الله تعالى :
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ ذلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ). (٣١)
فالقصاص وأخذ الدية واقعية وحق لولي القتيل ، والعفو عن القاتل والتجاوز عنه مثالية يرغب الإسلام فيها.
ومكن الإسلام صاحب المال من المحافظة على ماله ، والدائن من الحصول على حقه ، وهذا واقعية. ولكنه رغب في انظار المعسر والحط عنه بعض الدين ، وهذا مثالية. قال الله تعالى : (وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ). (٣٢)
وكذلك جمع الله بين الأمر بالعدل ـ وهو واقعية ـ والأمر بالإحسان وهو مثالية. قال سبحانه :
(إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ (٣٣) يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ). (٣٤)
وبين الرسول صلىاللهعليهوسلم أن الإحسان يشمل الأشياء كلها ، وحث الناس على الارتفاع إلى مقامه السامي ، فقال :
«إن الله كتب الإحسان على كل شيء ، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة ، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة ، وليحد أحدكم شفرته (٣٥) وليرح (٣٦) ذبيحته (٣٧)».
كما أمر بالرفق في كل الأشياء ، فقال :