وجوبه مطلق وايّهما وجوبه مقيّد بعدم الاشتغال بالآخر يرتبط بمعرفة نسبة الاهمية بين الملاكين ، فان كانا متساويين كان الاشتغال بكل منهما مصداقا لما حكم العقل باخذ عدمه (١) قيدا في كل تكليف ، وهذا يعني ان كلّا من الوجوبين مشروط بعدم امتثال الآخر ويسمّى بالترتّب من الجانبين ، وان كان احد الملاكين اهمّ كان الاشتغال بالاهم مصداقا لما حكم العقل باخذ عدمه قيدا في وجوب المهم (٢) ، ولكن الاشتغال بالمهم لا يكون مصداقا لما حكم العقل باخذ عدمه قيدا في وجوب الاهمّ ، وينتج هذا ان الامر بالاهمّ مطلق والامر بالمهم مقيّد ، وان المكلّف لا بدّ له من الاشتغال بالاهمّ لكي لا يبتلي بمعصية شيء من الامرين ، ولو اشتغل بالمهم لابتلي بمعصية الامر بالاهمّ.
ويترتّب على ما ذكرناه من كون القدرة التكوينية بالمعنى الاعم شرطا عامّا في التكليف بحكم العقل عدّة ثمرات مهمّة :
منها : انه كلما وقع التضاد بين واجبين بسبب عجز المكلّف عن الجمع بينهما كالصلاة والازالة ـ وتسمّى بحالات التزاحم ـ فلا ينشأ من ذلك تعارض بين دليلي وجوب الصلاة ووجوب الازالة ، لان الدليل مفاده جعل الحكم على موضوعه الكلّي وضمن قيوده المقدّرة الوجود كما مرّ بنا في الحلقة السابقة ، ومن جملة تلك القيود القدرة التكوينية بالمعنى
__________________
(١) اي عدم الاشتغال بمعنى إن لم تشتغل بهذا فاشتغل بذاك ، وان لم تشتغل بذاك فاشتغل بهذا.
(٢) بمعنى انّه ان لم تشتغل بالاهمّ وعصيت المولى فاشتغل بالمهم لتمامية ملاكه.