والفارق بين التقريبين ان التقريب الاوّل يتكفّل مئونة اثبات جري اصحاب الأئمة فعلا على العمل بخبر الثقة ، بينما التقريب الثاني لا يدّعي ذلك ، بل يكتفي باثبات الميل العقلائي العام الى العمل بخبر الثقة ، الامر الذي يفرض على الشارع الردع عنه ـ على فرض عدم الحجيّة ـ لئلّا يتسرّب هذا الميل الى مجال الشرعيات (*).
__________________
(*) الصحيح في كيفية الاستدلال بالسيرة هو انها عقلائية ابتداء ـ وهي على اتّباع خصوص الاخبار الموثوق بصحّتها ـ متشرّعية بقاء ـ وهي على اتّباع اخبار الثقات مطلقا اي حتّى ولو لم تورث وثوقا بصحّتها واطمئنانا ..
بيان ذلك يحتاج الى تقديم بعض امور فنقول :
الامر الاوّل : إن العقلاء كما هو معروف ليس عندهم اصول وقواعد تعبدية يعملون على طبقها من غير اساس عقلائي واضح ، وهذه مقالة السيد المصنف (قده) ايضا (راجع مثلا بحث حجية الظهور. اواخر مسألة «الظهور الموضوعي في عصر النص») قال «والسرّ في ذلك ان البناءات العقلائية انما تقوم على اساس حيثيات كشف عامّة نوعية ...» ومعنى هذا أنهم لا يعملون بالظن سواء أكان مصدره خبر ثقة ام حتّى عشرين خبر ثقة ما لم يحصل منها وثوق واطمئنان ، وامّا اتباعه في بعض الحالات فهو إمّا من باب حصول وثوق منه او للاحتياط او لان اصل الموضوع لا يحتاج الى وثوق وانما يكفي عند السامع درجة معيّنة من الكاشفية كما لو اراد ان يبعث رسالة الى صديقه المسافر ليطمئن عن صحّته ليس اكثر ، فاعطاه احد الثقات عنوانه في السفر او قال له انه مريض ونحو ذلك وليس هذا العمل يدلّ على اتّباع العقلاء لاخبار الثقات خاصّة في مجال الشرعيات ما لم يحصل عندهم وثوق بها.
فكان المسلمون الاوائل يعملون على هذا الاساس وصار يظهر من الشارع المقدّس من خلال سيرتهم واقوالهم توسعة لحجية أخبار الثقات حتّى ولو لم تورث اطمئنانا ، ولا شكّ ان العقلاء يحصل عندهم عادة وثوق واطمئنان من خبر الثقة ما لم يوجد تعارض مع