وعلى هذا فقول المفتي ليس حجّة على المفتي الآخر بلحاظ ادلة حجية خبر الثقة ، لان اخباره بالحكم الشرعي (١) ليس حسيّا بل حدسيا واجتهاديا (*) ، نعم هو حجّة على مقلّديه بدليل حجية قول اهل الخبرة والذكر (٢).
ومن اجل ذلك يقال بان الشخص اذا اكتشف بحدسه واجتهاده قول
__________________
(١) الواقعي.
(٢) وذلك لانه ليس المناط اصابة الحكم الشرعي الواقعي في حجية قوله ، وانما المناط ان يكون قوله ناشئا من الموازين الشرعية المعروفة.
__________________
وامّا بناء على عدم الاعتقاد بصحّة هذا الدليل فان حصل اطمئنان بوثاقة الراوي ولو بدعم بعض القرائن فبها ، والّا فالطريق المعروف هو سيرة المتشرّعة في عصر النص ، ونحو اثباتها انها طريق يميل المتدينون بطبعهم في عصر المعصومين عليهمالسلام الى اتّباعها ، فلو لم يرض الشارع عنها لنهى عنها كثيرا خوفا من اتّباعها ، ولم يردنا ولا رواية ضعيفة واحدة على عدم الاكتفاء به.
(*) (فان قلت) هو وان كان حدسيا ولكن منشؤه الحسّ كالعدالة او نزول المطر ، فيكون حجّة ، (قلنا) لا شك في وجود نسبة كبيرة من الفتاوى تحتاج الى مبان في الاصول والرجال اختلفت فيها آراء العلماء ، فنظرا الى كثرة مواقع النظر والاختلاف في الادلّة بحيث لا نعلم وجود مجتهدين تطابقت فتاواهما في كل شيء ان لم نقطع بعدم وجود هكذا مجتهدين (وهاك حاشية العروة الوثقى مثلا بين يديك ابرز شاهد على ذلك) يصير استنتاج الكثير من الفتاوى امرا حدسيّا بنظر الفقهاء الآخرين لكثرة مواقع النظر والاختلاف بين العلماء ، ولذلك ترى الفقيه يشعر بوجدانه مباشرة بعدم امكان اعتماده على فتاوى غيره من دون تحقيق ، وتراه يبادرك بقوله" لا اعرف مبانيه الاصولية والرجالية على الاقل" ، فالقول بحدسيّتها امر وجداني وواضح.